للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخلق من القبور، فيخرجون من القبور حُفاة عُراةً، فيساقون ويجمعون إلى الموقف للحساب، ثم يحشر المتقون رُكبانا علي الإبل؛ أي: والمجرمون علي وجوههم.

وقال غيره: يخرجون من القبور علي ما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ثم يحشرون إلى الموقف علي ما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

وقال بعض شراح "المصابيح" -أي: وهو التُّوربشتي-: حَملُ الحشر علي هذا أقوي من وجوه:

أحدها: إذا أطلق الحشر يُراد به شرعًا: الحشر من القبور، ما لم يُخصصه دليل.

ثانيها: أن التقسيم المذكور في الخبر لا يستقيم في الحشر إلى أرض الشام؛ لأن المُهَاجِر لابد أن يكون راغبًا أو راهبًا، أو جامعًا بين الصفتين، فأما أن يكون راغبًا راهبًا فقط، وتكون هذه طريقة واحدة لا ثاني لها من جنسها فلا.

ثالثها: حشر البقية علي ما ذكر، وإلجاء النار لهم إلى تلك الجهة وملازمتها حتي لا تفارقهم قَولٌ لم يرد به التوقيف، وليس لنا أن نحكم بتسليط النار في الدنيا علي أهل الشقوة من غير توقيف.

رابعها: أن الحديث يُفسر بعضه بعضًا، وقد وقع من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ: "ثلثًا علي الدواب، وثلثًا ينسلون علي أقدامهم، وثلثًا علي وجوههم".

قال: ونري أن هذا التقسيم نظير التقسيم الذي في سورة الواقعة: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} ... الآيات.

فقوله في الحديث: "راغبين راهبين": يُريد عموم المؤمنين المخلطين عملًا صالحًا وآخر سيئًا، وهم أصحاب الميمنة.

وقوله: "اثنان علي بعير" ... إلى آخره: يُريد السابقين وهم أفاضل المؤمنين ركبانًا.

وقوله: "وتحشر بقيتهم النار": يُريد أصحاب المشأمة.

فيحتمل أن البعير يحمل عشرة دفعة واحدة؛ لأنه يكون من بديع قدرة الله، فيقوي

<<  <   >  >>