للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَكْمِلَة

في فوائد تضمنتها الأحاديث، ودل عليها الكشف الصحيح، لخصتها من كلام إمام المحققين محيي الملة والدِّين محمد بن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي.

قال رحمه الله ورضي عنه في (الباب السادس والستين وثلاث مئة) من "الفتوحات المكية" ما ملخصه:

إن لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض جورًا وظُلمًا، فَيملَؤُها قِسطًا وعَدْلًا، يقفو أثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يخطئ؛ له مَلَكٌ يسدده من حيث لا يراه، يحمل الكَلَّ، ويقوي الضعيف، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، يفعل ما يقول، ويقول ما يعلم، ويعلم ما يشهد، يصلحه الله في ليلة، يبيد الظلم وأهله، ويقيم الدين، وينفخ الروح في الإسلام، ويعزه بعد ذُلّهِ، ويحييه بعد موته، ويمسي الرجل في زمانه جاهلًا بخيلًا جبانًا، فيصبح أعلم الناس، أكرم الناس، أشجع الناس، يضع الجزية ويدعو إلى الله بالسيف، فمن أبى قُتل، ومن نازعه خُذل، يظهر من الدين ما هو الذي عليه في نفسه ما لو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيًا لحكم به، يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى إلَّا الدين الخالص، أعداؤه مقلدة العلماء أهل الاجتهاد؛ لما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهبت إليه أئمتهم، فيدخلون كُرهًا تحت حكمه؛ خوفًا من سيفه وسطوته، ورغبة فيما لديه، فليس له عدو مبين إلَّا الفقهاء خاصة؛ فإنهم لا يبقى لهم رئاسة ولا تمييز عن العامة، بل لا يبقى لهم علمٌ بحكم إلَّا قليل، ويرتفع الخلاف عن العالم في الأحكام بوجود هذا الإمام، ولولا أن السيف بيده لأفتى الفقهاء بقتله، ولكن الله يُظهرهُ بالسيف والكرم، فيطمعون ويخافون، فيقبلون حكمه من غير إيمان، بل يضمرون خلافه، يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم، أسعد الناس به أهل الكوفة، يبايعه العارفون بالله من أهل الحقائق عن شهود وكشف وتعريف إلهي، له رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه، هم الوزراء، يحملون أثقال المملكة، ويعينونه على ما قلده الله، وهم تسعة على أقدام رجال من الصحابة، قال الله تعالى فيهم: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}، وهم من الأعاجم، ما فيهم عربي لكن لا يتكلمون إلَّا بالعربية، لهم حافظ ليس من جنسهم

<<  <   >  >>