على أنه لا مانع أن يكون التسع وما دونه بعد نزول عيسى عليه السلام وقتله الدجال؛ فإن عيسى عليه السلام لا يسلب المهدي ملكه؛ فإن الأئمة من قريش مادام من الناس اثنان، وعيسى عليه السلام يكون من أَخَصّ وزرائه وتابعًا له لا أميرًا عليه، ومن ثم يُصلي خلفه ويقتدي به؛ كما يدل عليه حديث جابر - رضي الله عنه - عند "مسلم": أن عيسى عليه السلام يقول له حين يتأخر في الصلاة: إن بعضكم على بعض أمراء؛ تكرمة الله لهذه الأمة.
ولا يرد عليه ما ورد في بعض الروايات: أنَّ المهدي يُصلي بهم تلك الصلاة، ثم يكون عيسى إمامًا بعده؛ لأنه لما ثبتت إمامته وإمارته جاز له أن يعينه إماما للصلاة لأنه أفضل، وأفضليته لا تستلزم خلافته؛ لجواز خلافة المفضول مع وجود الفاضل، سيما إذا كان الفاضل من غير قريش.
قال الشهاب القسطلاني في "شرح البخاري" قال ابن الجوزي: لو تقدم عيسى عليه السلام إمامًا لوقع في نفس الإشكال، ولقيل: أتراه نائبًا أو مبتدئًا شرعيًا؟ فيصلي مأمومًا؛ لئلا يتدنس بغبار الشبهة وجه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نبي بعدي". انتهى
قال ابن حجر: ومعنى "تُسلب قريش ملكها"؛ أي: بعد نزول عيسى عليه السلام: أنه لا يبقى لها معه اختصاص بشيء دون مراجعته، فلا يُعارض ذلك خبر:"لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان". انتهى
وستأتي الإشارة إلى هذا في كلام الشيخ في "الفتوحات"، ولا شك أن بهذا الوجه يندفع كثير من الإشكالات من كون زمان كل منهما مَوصُوفًا بالبركة والأمن، وأنه يملأ الأرض قِسطًا، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير؛ لأن الزمان يكون واحدًا، فينسب إلى هذا تارة، وإلى هذا أخرى، وقد يُستأنسُ له بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم حكمًا مُقسطا وإمامكم منكم"؛ فإنه لما احتمل أن يُفهم من قوله:"حكمًا مُقسطًا": الإمامة دفعه بقوله: "وإمامكم منكم"، وظاهر أنه ليس المراد إمامة الصلاة؛ لأن المراد إثبات اتباع عيسى لشرعه، وكونه رعية خليفته ورجلًا من آحاد أمته - صلى الله عليه وسلم -. وبالله التوفيق.