للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا شك أن مدة التسع فما دونها لا يمكن أن يُساح فيها ربع أو خمس المعمورة سياحة، فضلًا عن الجهاد، وتجهيز العساكر، وترتيب الجيوش، وبناء المساجد، وغير ذلك (١).

الثالث: أنه ورد أن الأعمار تطول في زمنه كما مر في سيرته، وطولها فيه مُسْتَلزِمٌ لطوله، وإلَّا لا يكون طولها في زمنه، والتسع وما دونه ليست من الطول في شيء.

الرابع: أنه يُهادن الروم تسع سنين، ويقيم بقسطنطينية سنة، وبالقاطع سبعًا، ومدة المسير إليها مرتين والرجوع في أثنائه يكون سنين، ومدة قتاله مع السفياني، وأنه ينقض البيعة بعد ثلاث سنين، وفتحه للهند وسائر البلدان يكون سنين كثيرة؛ كما ورد كل ذلك في الروايات. وذلك أزيد من التسع بكثير.

وحينئذ فنقول: التحديد بالسبع باعتبار مدة استيلائه على جميع المعمورة.

فيكون معنى الحديث: أنه يملك سبعا مُلكًا كاملًا لجميع الأرض، وذلك بعد فتحه لمدينة القاطع، وبالتسع باعتبار مدة فتحه لقسطنطينية، وبتسعة عشر باعتبار مدة قتله للسفياني ودخول أهل الإسلام كلهم في طاعته.

فإنه يُهادن الروم تسع سنين، ومدة اشتغاله بحربهم وتملكه لهم يكون نحوًا من عشر سنين على طريقة جبر الكسر، وبأربع وعشرين باعتبار مدة خروجه إلى الشام ودخول السفياني في بيعته، وبثلاثين باعتبار خروجه بمكة واستيلائه على أرض الحجاز، وبأربعين باعتبار مدة ملكه في الجملة مشتملة على خروجه أولًا بالطائف وقتله لأمير مكة، وغيبته بعد ذلك وخروج الهاشمي بخراسان، وحمله السيف على عاتقه اثنين وسبعين شهرًا؛ كما في بعض الروايات.

وهذا الجمع أولى من إسقاط بعض الروايات، ولا شك أنه مُقدمٌ على الترجيح مهما أمكن، والله ورسوله أعلم بمرادهما.


(١) عدم الإمكانية في رأي المؤلف نظرًا للوسائل المتاحة في عصره، أما في عصرنا الحالي فوسائل النقل سريعة، وجهود المختصين في هذا المجال مستمرة لإيجاد وسائل أسرع من الصوت، وهي مشاهدةٌ معروفةٌ. فوقوع سياحة المعمورة في المدة المذكورة ليس مستحيلًا في زماننا وفي المستقبل، والله أعلم.

<<  <   >  >>