للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليكم؛ لعظيم ما أكرهه منكم، وإني أعلم أنكم تكرهوننا أيضًا؛ لأنّا بُلينا بكم، وبُليتُم بِنا، ألا إنَّ جدي معاوية نازع في هذا الأمر من كان أولى به منه ومن غيره؛ لقرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعظيم فضله وسابقته، أعظم المهاجرين قدرًا، وأشجعهم قلبًا، وأكثرهم عِلمًا، وأولهم إيمانًا، أشرفهم منزلة، وأقدمهم صحبة، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصهره، وأخوه، زَوَّجهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنته، وجعله لها بعلًا باختياره لها، وجعلها له زوجةً باختيارها له، أبو سبطيه سيدا شباب أهل الجنة، وأفضلا هذه الأمة، تربية الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وابنا فاطمة البتول رضي الله عنها، من الشجرة الطاهرة الزكية، فركب جدي منه ما تعلمون، وركبتم ما لا تجهلون، حتى انتظمت لجدي الأمور، فلما جاء القدر المحتوم، واخترمته أيدي المنون بقي مُرتَهنًا بعمله، فريدًا في قبره، ووجد ما قدمت يداه، ورأى ما ركبه واعتداه، ثم انتقلت الخلافة إلى يزيد، فتقلد أمركم لهوىً كان أبوه فيه، ولقد كان أبي يزيد بسوء فعله وإسرافه على نفسه غير خَلِيقٍ بالخلافة على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فركب هواه، واستحسن خَطَأهُ، وأقدم على ما أقدم من جراءته على الله، وبغيه على من استحل حرمته من أولاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَلَّتْ مُدته، وانقطع خبره، وضاجع عمله، وصار حليف حفرته، ورهين خطيئته، وبقيت أوزاره وتبعاته، وحَصّل ما قَدّم، وندم حيث لا ينفعه الندم، وشغلنا الحُزْنُ له عن الحُزنِ عليه. فليت شعري ماذا قال؟ وماذا قيل له؟ هل عُوقِب بإساءته وجوزي بعمله؟ وذلك ظني.

ثم اختنقته العبرة؛ فبكى طويلًا، وعلا نحيبه، ثم قال: وصرت أنا ثالث القوم، والساخط عَليَّ أكثر من الراضي، وما كنت لأتحمل آثامكم، ولا يراني الله جلت قدرته مُتقلدًا أوزاركم وألقاه بتبعاتكم، شأنكم وأمركم فخذوه، ومن رضيتم به عليكم فولوه، وخَلعتُ بيعتي من أعناقكم، والسلام.

فقال له مروان بن الحكم -وكان تحت المنبر-: أسُنّةٌ عمرية يا أبا ليلى؟ فقال: ابعد عني، أعن ديني تخدعني؟ ! ، فوالله ما ذقت حلاوة خلافتكم فأتجرع مرارتها، ائتني برجالٍ مثل رجال عمر على أنه ما كان حين جعلها شورى، وصرفها عمن

<<  <   >  >>