ثم إن الروم يغزون مع المسلمين فارس، فيقتلون مُقَاتِلهم، ويسبون ذراريهم، فتقول الروم: قاسمونا الغنائم كما قاسمناكم. فيقاسمونهم الأموال وذراري الشرك، فتقول الروم: قاسمونا ما أصبتم من ذراريكم. فيقولون: لا نقاسمكم ذراري المسلمين أبدًا. فيقولون: غدرتم بنا. فترجع الروم إلى صاحب القسطنطينية فيقولون: إن العرب غدرت، ونحن أكثر منهم عددًا، وأتم منهم عدة، وأشد منهم قوة، فأمددنا نقاتلهم. فيقول: ما كُنت لأغدر بهم، ولقد كانت لهم الغلبة في طول الدهر علينا، فيأتون صاحب رومية فيخبرونه بذلك، فيوجه ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا في البحر، ويقول لهم صاحبهم: إذا أرسيتم بسواحل الشام فاحرقوا المراكب؛ لتقاتلوا عن أنفسكم. فيفعلون ذلك، ويأخذون أرض الشام كلها، برها وبحرها ما خلا مدينة دمشق والمُعْتَق، ويخربون بيت المقدس".
قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: فقلت: كم تسع دمشق من المسلمين؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده، لتتسعنَّ على من يأتيها من المسلمين؛ كما يتسع الرحم على الولد"، قلت: وما المُعْتَق يا نبي الله؟ قال: "جبلٌ بأرض الشام من حمص على نهر يقال له: الأريط".
فيكون ذراري المسلمين في أعلى المعتق، والمسلمون على نهر الأريط يقاتلونهم صباحًا ومساء، فإذا أبصر صاحب القسطنطينية ذلك وجه في البر إلى قنسرين ثلاث مئة ألف، حتى تجيئهم مادة اليمن ألف ألف، أَلَّفَ الله بين قلوبهم بالإيمان، معهم أربعون ألفًا من حمير، حتى يأتوا بيت المقدس، فيقاتلون الروم فيهزمونهم، ويخرجونهم من جُنْدٍ إلى جند، حتى يأتوا قنسرين، تجيئهم مادة الموالي.
قلت: وما مادة الموالي يا رسول الله؟
قال: "هم عَتَاقتكُم، وهم منكم قوم يجيئون من قبل فارس، فيقولون: تعصبتم يا معشر العرب، لا يكون معكم أحدٌ من الفريقين، أتجتمع كلمتكم فنقاتل نزارًا يومًا والموالي يومًا؟ .
فيخرجون إلى المعتق وينزل المسلمون على نهر يقال له: كذا وكذا -يُعزى-، والمشركون على نهر يقال له: الرقية؛ وهو النهر الأسود، فيقاتلونهم، فيرفع الله