أتباعنا حتى صار لنا عادة -فلا نقدر على القلة، وإنَّ هذه الأمة قد عاثت في دمائها- أي: العسكرين الشامي والعراقي -وقد قتل بعضهم من بعض- فلا يَكُفُّون إلَّا بالصفح، وعدم الانتقام.
قالا: فإنه يَعرضُ عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك، قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به.
فكتب إليه معاوية أن اطلب ما شئت، واشرط؛ فإني أُوفي لك بذلك. وأرسل إليه ورقًا بياضًا، وختم في أسفله، وقال: اكتب فيه ما شئت، فشرط الحسن أشياء منها: أن يكون له بيت مال الكوفة، وأن يكون له خراج دار أبجرد، وأن تكون الخلافة بعد معاوية - رضي الله عنه - له ولأخيه الحسين.
وفي رواية: تكون للمسلمين يولون من شاؤوا، وأن لا يَتعرّضَ لأهل العراق، ولا ينتقم منهم.
فنزل الحسن - رضي الله عنه - وبايعه، فقال معاوية - رضي الله عنه -: تكلم يا حسن.
فقام، فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: أيها الناس؛ إنَّ الله هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وإنَّ معاوية نازعني أمرًا أنا أحق به منه، وإنى تركته حقنًا لدماء المسلمين، وطلبًا لما عند الله.
فشهد جماعة من الصحابة أنهم سمعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عن الحسن:"إنَّ ابني هذا سيِّدٌ، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين يكون بينهما مقتلةٌ عظيمة".
وسميت تلك السنة: سنة الجماعة؛ لاجتماع الناس، ورفع القتال بينهم.
وعن الحارث قال: لما رجع عليّ - رضي الله عنه - من صفين علم أنه لا يملك أبدًا، فتكلم بأشياء كان لا يتكلم بها، وحَدّثَ بأحاديث كان لا يُحدِّث بها.
وقال فيما يقول: أيها الناس؛ لا تكرهوا إمارة معاوية، والله لو فقدتموه لرأيتم الرؤوس تنزل عن كواهلها كالحنظل.