العلةُ الثانيةُ: أن الحسنَ الحارثيَّ قد أخطأَ في وصْلِ هذا الحديثِ، والصوابُ فيه عنِ ابنِ عَوْنٍ، عنِ ابنِ سِيرينَ مرسَلًا؛ فقد رواه الشافعيُّ في (الأم ٧/ ١٥٧) عنِ ابنِ عُلَيَّةَ، عنِ ابنِ عَوْنٍ، عنِ ابنِ سِيرينَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرسَلًا.
وكذلك رواه ابنُ مَنِيعٍ في "مسنَده" -كما في (إتحاف الخِيَرة ١٢٤١) - عن يزيدَ بنِ هارونَ، عنِ ابنِ عَوْنٍ وهشامٍ، عنِ ابنِ سِيرينَ مرسَلًا.
وبهذا أعلَّه البَيْهَقيُّ، فقال:"ورواه إسماعيلُ ابنُ عُلَيَّةَ وغيرُه عنِ ابنِ عَوْن، عن محمدٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرسَلًا، وهو المحفوظُ"(السنن الكبرى ٢/ ٣٩٨).
فهذان الطريقان لا يَنهضان لإثبات لفظ:((وَكَبَّرَ، ثُمَّ انْصَرَفَ))؛ لضعْفهما ومخالفتِهما لما ثبَتَ في (الصحيح) من حديثِ أبي سَلَمةَ عن أبي هريرةَ بلفظِ: (( ... قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ))، وعليه؛ فرواية ((وَكَبَّرَ ... )) من حديثِ أبي هريرةَ منكَرةٌ.
غيرَ أن هذه الروايةَ وردتْ في أحاديثَ عدةٍ، منها حديثُ أبي بَكْرة، وأنسٍ، وعليٍّ، ومرسَل عطاءِ بنِ يَسَارٍ، وابنِ سِيرينَ، وسيأتي الكلامُ على هذه الشواهد كلِّها، فإنْ صحَّ حَمْلُ هذه الشواهدِ على التعدُّد -كما جزمَ به ابنُ حِبَّانَ في (صحيحه تحت حديث رقم ٢٢٣٥)، ووافقه عليه النوويُّ في (المجموع ٤/ ٢٦١)، والألبانيُّ في (صحيح أبي داود ٢٣٤)، وإلا فما في الصحيحِ أصحُّ كما قالَ الحافظُ في (الفتح ٢/ ١٢٢)، وسيأتي نصُّ كلامِهِ.
هذا، وقد خَفِيَ على ابنِ عبدِ البرِّ التصريحُ الواقعُ في روايةِ مسلمٍ وغيرِهِ، فذهبَ إلى أن روايةَ أبي سلَمةَ عن أبي هريرةَ محتمِلةٌ للأمرين: التكبيرِ وعدمِه، وأن روايةَ مَنْ قال: إنه ((كَبَّرَ)) مفسِّرةٌ لها، فقال -بعد أن روَى الحديثَ-: "ولم يُذْكَرْ في هذا الحديثِ أنه كبَّر قبل أن يَذْكُرَ، وإنما فيه أنه