ولقد كان لزاماً على المسلمين من بعدهم؛ أن يسلكوا سبيلهم، ويكملوا خطواتهم، وأن يتمموا جهودهم؛
لتكون السنة كلها في كتاب واحد، وبأحكام مستقرة.
قصب السبق في حفظ السنة .. لأهل السنة.
ومما يجب أن يعلمه الجميع؛ أن أهل السنة هم الوحيدون الذين حملوا عبء راية السنة .. وتحملوا الصعاب في جمعها، وأنفقوا الأموال الطائلة في سبيلها، وأفنوا أعمارهم فيها .. فكم قطعت مفاوز .. وجاعت بطون .. واغبرت بل دميت أقدام في خدمتها.
ولولا خشية الإطالة، لسردت من قصص جهادهم، وأحداث كفاحهم في سبيل حفظها، ما يرفع به أهل السنة رؤوسهم .. في نصرة سنة نبيهم .. وما سيرة الأئمة كمالك، وأحمد، والبخاري، وأمثالهم .. ثم الذين جاؤوا من بعدهم؛ كالذهبي والعسقلاني والألباني وأمثالهم .. عنا ببعيد ..
ففي صحيح البخاري ومسلم ومسند أحمد، وبقية كتب السنة .. ما تعز بها نفوس أهل السنة، ويتضح بها ديننا، ويفسر بها كتاب ربنا، ونسلك فيها سبيل نبينا.
وليس عند الفرق الأخرى قاطبة صحيح سنة، بل ولا عند معظمهم كتاب في السنة .. فكلهم عالة على أهل السنة، حتى في فضائل آل البيت، يأخذونها من كتب أهل السنة .. فأين كتب الخوارج في السنة، بل أين كتب الجهمية والمرجئة والمعتزلة في الحديث إلا كتب أرسطو وأفلاطون وفلاسفة اليونان.
وما عندهم من الكافي وما فيه من الضلالات، وبحار الأنوار وما فيه من التخريفات، لأكبر دليل على أن لأهل السنة في جهودهم في السنة قصب السبق، والقِدْح المعلا.
فحمداً لله تعالى على توفيقه، وهنيئاً لأهل السنة بحفظ سنة نبيهم، ولله درهم؛ فهم الذين نصروا القرآن والدين والتوحيد بنصرة السنة .. فنصرهم الله .. مصداقا لقوله سبحانه: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: ٤٠].
وأبقاهم .. وأهلك غيرهم .. إلا قليلاً منهم، وما دمنا ننصر الله تعالى .. فسينصرنا بقدر نصرنا له، وإن زاد فبفضل منه ورحمة، وهو أهل ذلك سبحانه، والقادر عليه.
ولقد عشت مع محدث هذا العصر الشيخ الألباني فترة من الدهر .. ينام في بيتي ليدعو فيه، ويعلم الناس، ويكرمني بالنوم في بيته لأتعلم منه .. فرأيت من الهم العظيم، والهمة الجبارة، والصبر الجميل على الفقر، والدقة الفائقة .. والانقطاع الدائم للعلم .. والعمل الدؤوب .. ما لا يعرف الكلل، ولا يدنو منه الملل، رغم قلة الزاد، وضعف الأعوان، وكثرة الحساد والمرجفين، وكان هذا كله لخدمة سنة سيد المرسلين.