للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال في الحج: «لِتَأْخُذُوا (عَنِّي) مَنَاسِكَكُمْ» (١).

وفي هذا برهانٌ واضحٌ؛ أنَّ لا صلاة إلا كصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا حج إلا كما حج النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا صوم ... ولا نكاح إلا كذلك.

فإذا لم نأخذ مناسكنا عنه - صلى الله عليه وسلم - من سنته، ومن عبادته .. فممن نأخذها؟!؟

وإذا لم نأخذ بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلن نصلَّ كما أمر الله تعالى، ولن نحج كما شرع الله، وهكذا ستضيع العبادات، وتندرس الشرائع، وتجهل المحرمات، ونكون ممن قال الله فيهم: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ .. } [الشورى: ٢١].

وقوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: ٥٩].

والسنة لا تقتصر على البيان والتفصيل، بل فيها توضيح للعقيدة وتوحيد رب العالمين، وتفصيل للشرك وأنواعه؛ مما لا تجده في كتاب رب البرية.

[الثالث: في السُّنة أحكام زائدة عن القرآن]

من المعلوم؛ أن القرآن جاء ليرسم منهجاً عامّاً، ويخط صراطاً مجملاً، ويضع للمؤمنين نبراساً منيراً .. {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: ٩].

وترك من الشرائع والأحكام للرسول - صلى الله عليه وسلم -، يبيّنها للناس، ويعمل بها ليقتدي به العباد.

ولذلك ورد في السُّنة؛ عبادات وشرائع، وأحكام زائدة عن القرآن.

ومن أمثلة ذلك؛ صلاة الضحى .. والاستسقاء .. والخسوف .. والكسوف .. وصوم النفل، وتحريم لحوم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب ومخلب .. وأحكام الأسرة، وشروط النكاح، والطلاق، وأحكام البيوع، وأنواع الشركات .. إلى غير ذلك مما لم يذكر في القرآن الكريم كثير كثير.

يوضح هذا ويؤكده؛ حديث المقدام بن معدي كرب الكندي - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ .. - ثم حذر من هذه الدعوات بهجران السنة فقال- أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ (وَهُوَ مُتَّكِئٌ) عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ» (٢).


(١) صحيح مسلم (١٢٧٩)، وزيادة (عني) في مسند الشاميين (٩٠٨)، وغيره، وصححها الألباني في المشكاة (٢٦١١).
(٢) رواه أبو داود (٤٦٠٤)، والترمذي (٢٦٦٤) والزيادة له، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٢٦٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>