الوجه الثاني: أنهم قد بيَّنوا علَّةَ الحديثِ، وهي: كوْنُ راويه قد تغيَّرَ عقلُهُ وحدَّثَ به في حالة التغيُّرِ، فهذا جرْحٌ مفسَّرٌ، لا يجوزُ أن يُصرَفَ عنه النظر.
الوجه الثالث: أنه قد عارضه حديثُ عائشةَ رضي الله عنها، قالت:((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ)) " (تمام المِنَّة ١٠٨، ١٠٩).
وقال أيضًا: "والحقُّ مع الذين ضعَّفوه؛ فإنهم أعلمُ من هؤلاءِ بعللِ الحديثِ ورجالِهِ، وأيضًا فقد بيَّنوا له علةً قادحةً، لم يتعرَّضْ لإزالتها أوِ الجوابِ عنها هؤلاء" (ضعيف أبي داود ١/ ٨٢).
قلنا: قد أجابَ عنها الشيخُ أحمد شاكر بأن عبدَ اللهِ بنَ سلِمةَ قد تُوبِع على معنى حديثِهِ هذا، كما في حديثِ أبي الغَرِيفِ عن عليٍّ عند أحمدَ بنحوه، وقد رَدَّ الألبانيُّ هذا الجوابَ أيضًا؛ لأن الصوابَ أنهما حديثٌ واحدٌ وقَفه بعضُهم وهو الأصحُّ، ورفعه بعضُهم وهو خطأ، كما تقدَّمَ، وسيأتي الكلامُ عليه مفصَّلًا، مع بيانِ أنه لا يصلُحُ لتقويةِ هذا الحديثِ، بل هو في الحقيقةِ عِلَّةٌ له كما سبقَ.
* وينبغي التنبيهُ هنا على أن بعضَ الضعفاءِ قد أخطأَ في سندِ هذا الحديثِ، مما يُظَنُّ معه أن عبد الله بن سلِمةَ قد تُوبِع، وليس كذلك، وإليك البيانَ:
قال ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل ٥/ ٧٠): ثنا القاسم بن يحيى بن نصر، ثنا أبو عبد الرحمن الأَذْرَمي، ثنا زيادٌ البَكَّائي، عن الأعمش، عن عَمرو بن مُرَّةَ، عن أبي البَخْتَري، عن عليٍّ، فذكره.
وهذا سندٌ رجالُهُ ثقاتٌ، عدا زيادًا البَكَّائي؛ فضَعَّفه ابنُ المَدِيني والنَّسائيُّ وغيرُهما، ومشَّاهُ ابنُ مَعِينٍ وغيرُهُ في السيرةِ خاصَّةً، ولذا قال الحافظُ: "صدوقٌ ثبْتٌ في المغازي، وفي حديثه عن غيرِ ابنِ إسحاقَ لِينٌ" (التقريب