وعلى هذا؛ فروايةُ عائِذِ بنِ حَبيبٍ موافقةٌ لروايةِ الثقاتِ: يزيدَ والثَّوْريِّ وغيرِهما؛ فالقولُ بأن عائذًا رفع الحديثَ كلَّه -مخالفًا الثقات في وقْفِه- ليس عليه دليلٌ.
ولم يتنبَّه لذلك أحمدُ شاكر، فذهبَ في (تحقيقه لجامع التِّرْمِذي ١/ ٢٧٤) إلى صحةِ حديثِ عبد الله بن سلِمةَ المُرَاديِّ السابق، مُستشهدًا له بهذا الحديثِ، على اعتبار أن صاحبَ الضميرِ في قولِهِ:((ثُمَّ قَرَأَ شَيْئًا مِنَ القُرْآنِ ... )) إلخ، هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فتكونُ هذه العبارةُ مرفوعةً، معطوفةً على قوله:(( ... تَوَضَّأَ)). وهذا غيرُ صحيحٍ؛ لأن الثقات رَوَوْا هذا الحديثَ عن عامر بن السِّمْط، وبيَّنوا أن هذه العبارةَ موقوفةٌ على عليٍّ رضي الله عنه.
وقد أشارَ إلى ذلك الألبانيُّ في رَدِّهِ على الشيخِ أحمد شاكر، حيثُ قال:"لو صحَّ فليس صريحًا في الرفعِ؛ أعني: موضعَ الشاهدِ منه، وهو قولُهُ:((ثُمَّ قَرَأَ شَيْئًا مِنَ القُرْآنِ)) "(الإرواء ٢/ ٢٣٤).
وقال أيضًا عن روايةِ عائِذٍ:" ... غيرُهُ رواه موقوفًا، وإن كان هو نفْسُهُ لم يصرِّحْ برفعِ القطعةِ الأخيرةِ منه التي هي موضعُ الشاهدِ"(ضعيف أبي داود ١/ ٨٤).
ثم ذَكَرَ في (الإرواء) روايةَ يزيدَ ومَن تابعه معلِّلًا بها روايةَ عائِذٍ هذه -على اعتبارِ كوْنِها مرفوعةً-، ثم قال:"فتبيَّنَ من هذا التحقيقِ أن الراجحَ في حديثِ هذا المتابِع أنه موقوفٌ على عليٍّ، فلو صحَّ عنه لم يصلُحْ شاهدًا للمرفرعِ، بل لو قيلَ: إنه علةٌ في المرفوعِ وأنه دليلٌ على أن الذي رفعه -وهو عبدُ اللهِ بنُ سلِمةَ- أخطأَ في رفعه لم يَبعُدْ عن الصوابِ"(الإرواء ٢/ ٢٣٤).