وقال ابنُ القيمِ: ((ثبتَ عنِ ابنِ عمرَ مع شدةِ اتباعه للسُّنَّةِ، أنه كان يغتسلُ يومَ العيدِ قبلَ خروجِهِ)) (زاد المعاد ١/ ٤٢٦).
قلنا: وأما ما رواه عبد الرزاق في (المصنف ٥٨٢٩) -ومن طريقه ابن المنذر في (الأوسط ٢١٠٦) - عن معمر، عن أيوب، عن نافع، قال: ((مَا رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ اغْتَسَلَ لِلْعِيدِ قَطُّ، كَانَ يَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ، ثُمَّ يَغْدُو مِنْهُ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ وَلَا يَأْتِي مَنْزِلَهُ)).
فهذا من رواية معمر، عن أيوب السختياني البصري، وهي ضعيفةٌ؛ لضعف رواية معمر عن البصريين، كما هو معروف.
وقد خَالَفَ فيها الأثبات من أصحاب نافع الذين رووه عنه أمثال مالك، وعبيد الله بن عمر العمري، وموسى بن عقبة، وغيرهم، ولذا عَجِبَ ابنُ عبدِ البَرِّ من روايةِ معمرٍ، عن أيوبَ، لمخالفتها رواية مالك وغيره، (الاستذكار ٧/ ١١).
وجمعَ ابنُ رَجبٍ وغيرُهُ بين الحديثينِ فقال: ((ولا عجبَ من ذلك، فقد يُجمعُ بينهما: بأن ابنَ عمرَ كان إذا اعتكفَ باتَ ليلةَ الفطرِ في المسجدِ، ثم يخرجُ إلى العيدِ على هيئة اعتكافِهِ، كما قاله أحمدُ وَمَنْ قبله من السلف، وهو قول مالكٍ -أيضًا- وإن لم يكن مُعْتَكِفًا، اغتسلَ وخرجَ إلى المُصَلَّى)) (فتح الباري ٨/ ٤١٥).
روايةُ (ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَيْتِهِ فَيَغْتَسِلُ):
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: قُلْتُ لِنَافِعٍ: كَيْفَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَصْنَعُ يَوْمَ الْعِيدِ؟ قَالَ: ((كَانَ يَشْهَدُ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَيْتِهِ فَيَغْتَسِلُ غُسْلَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، وَيَتَطَيَّبُ بِأَطْيَبِ مَا عِنْدَهُ، ثُمَّ يَخْرُجُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّي ... )) الحديث.
[الحكم]: موقوفٌ، حسنُ الإسنادِ.
[التخريج]: [حث ٢٠٧ ((واللفظ له)) / هق ١٤٤١ ((مختصرًا))].
[السند]:
قال الحارث: حدثنا يزيد -يعني: ابنَ هارون- ثنا محمد بن إسحاق، به.
وقال أبو بكر البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا ابن فضيل، عن محمد بن إسحاق، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادُهُ حسنٌ رجالُه ثقاتٌ؛ غير محمد بن إسحاق وهو ((صدوقٌ يدلِّسُ)) كما في (التقريب ٥٧٢٥)؛ وقد صرَّحَ بالتحديثِ عند الحارثِ في (مسنده) فانتفتْ شبهةُ تدليسهِ، والله أعلم.