قال ابن حجر:((ذكر الدارقطني في (العلل): أن يحيى القطان رواه عن مالك، وكذلك النسائي رواه من طريق عبد الرحمن، عن مالك مُقَيَّدًا بالجامد، وأنه أَمَرَ أن تُقَوَّرَ وما حَوْلَها فيُرْمَى به)) (التلخيص الحبير ٣/ ٩).
قلنا: قول ابن حجر هذا، فيه إيهام بأن رواية يحيى بن سعيد القطان عن مالك والتي أخرجها الدارقطني، فيها تَقْيِيد السمن بالجامد، وهذا غير صحيح لأمور:
الأول: أن الدارقطني رواه في (العلل ٩/ ٢٥٩) من طريق يحيى بن سعيد، عن مالك بسنده:((أَنَّ مَيْمُونَةَ اسْتَفْتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فِي فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَأَمَرَ أَنْ يُقَوِّرُوا مَا حَوْلَهَا فَيُرْمَى بِهِ))، فليس في متنه تَقْيِيد السمن بالجامد كما ترى، ثم إِنَّ في ثبوته عن يحيى القطان نظر، فشيخُ الدارقطني متكلَّمٌ فيه، ومع انفراده بلفظ:((يُقَوِّرُوا))، خِلافًا لكلِّ من رواه، قد تفرَّد أيضًا بكون ميمونة هي السائلة، وهذا يدلُّ على أنه لم يضبطه، ولأجل ذلك سنفرد هذه الرواية بالتحقيق قريبًا، فانظر الكلام عليها هناك.
الثاني: أن ابن حجر نفسه ذكر في (الفتح): أن ابن مهدي تفرَّد بهذه اللفظة، ولم يذكرها أحدٌ غيره عن مالك، كما تقدَّم.
وقد بيَّن أيضًا في موضع آخر: أن رواية القطان ليس فيها ((تقييد السمن بالجامد))، غير أن لفظ الحديث يدلُّ على ذلك؛ فقال:((قد وقع عند الدارقطني من رواية يحيى القطان، عن مالك في هذا الحديث: ((فَأَمَرَ أَنْ يُقَوَّرَ مَا حَوْلَهَا فَيُرْمَى بِهِ)) وهذا أظهر في كونه جامدًا من قوله: ((وَمَا حَوْلَهَا)))) (فتح الباري ٩/ ٦٧٠).