قال ابن رجب:((وأما ما رجحه البخاري من أن الحيض لم يزل في النساء منذ خلقهن الله، فهو المروي عن جمهور السلف ... ، وقد استدل البخاري لذلك بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ))، وهو استدلال ظاهر حسن))،
ثم قال ابن رجب معلقًا على سند الحديث:((هذا إسناد شريف جدًّا؛ لجلالة رواته، وتصريحهم كلهم بسماع بعضهم من بعض؛ فلهذا صَدّر به البخاري (كتاب الحيض).
وفيه اللفظة التي استدل بها البخاري على أن الحيض لازم للنساء منذ خلقهن الله، وأنه لم يَحْدث في بني إسرائيل ... )).
وقال:((ومعنى: (كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ): أنه قضى به عليهن وألزمهن إياه، فهن متعبّدات بالصبر عليه)) (فتح الباري له ٢/ ١١ - ١٣).
وقال المهلَّب:"الحديث يدل على أن الحيض مكتوب على بنات آدم فمَن بعدهن من البنات، وهو من أصل خلقتهن الذي فيه صلاحهن، قال تعالى في زكريا صلى الله عليه وسلم:{وَأَصْلَحْنَا لهُ زَوْجَهُ}[الأنبياء: ٩٠]. قال أهل التأويل: يعني رَدَّ الله إليها حيضها لتحمل. وهو من حكمة الباري تعالى الذي جعله سببًا للنسل الإنسي وأن المرأة إذا ارتفع حيضها لم تحمل عادة".
قال ابن بطال: "وقال غيره: ليس فيما أتى به حجة؛ لأن زكريا من أولاد بني إسرائيل، والحجة القاطعة في ذلك قوله تعالى:{فَضَحِكَتْ}[هود: ٧١] في قصة إبراهيم. قال قتادة: يعني حاضت. وهذا معروف في اللغة، يقال: ضحكت المرأة: إذا حاضت. وكذلك الأرنب والضبع والخفاش (١).
(١) ولكن الْأَكْثَرُونَ على أَن الضحك هَاهُنَا هُوَ الضحك الْمَعْرُوف. كما قال السمعاني في (تفسيره ٢/ ٤٤٢). ولم يصح تفسير {فَضَحِكَتْ}: يعني حاضت، عن أحد من السلف، نعم روي ذلك عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وغيرهم، ولكن الأسانيد إليهم واهية، وسيأتي مزيد بيان لذلك في البابين التاليين.