للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فأما الفقهيُّ: فهو دليلٌ ظاهرُ الدّلَالةِ جدًّا على أن الذُّبَابَ إذا ماتَ في ماءٍ -أو مائِعٍ- فإنه لَا يُنَجِّسُهُ، وهذا قولُ جُمهورِ العلماءِ، ولا يُعْرَفُ في السَّلفِ مخالِفٌ في ذلك.

ووجه الاستدلَالِ به: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر بمَقْلِهِ، وهو غَمْسُهُ في الطعامِ، ومعلومٌ أنه يموتُ من ذلك، ولا سيَّما إذا كان الطعام حَارًّا، فلو كان يُنَجِّسُهُ لكان أمرًا بإفسادِ الطعامِ، وهو صلى الله عليه وسلم إنما أَمَرَ بإصلَاحِهِ، ثم عُدِّيَ هذا الحُكْمُ إلى كلِّ ما لا نَفْسَ له سَائِلة، كالنَّحلةِ والزُّنْبُورِ والعنكبوت وأشباهِ ذلك، إذ الحكمُ يعمُّ بعمومِ عِلَّتِهِ، ويَنْتَفِي لانتفاءِ سَببه، فلمَّا كان سببُ التَّنْجِيسِ هو الدَّمُ المحتَقِنُ في الحيوانِ بموتِهِ، وكان ذلك مفقودًا فيما لا دَمَ لَه سَائِلٌ؛ انتفى الحكمُ بالتَّنْجِيسِ لانتفاءِ عِلَّتِهِ.

ثم قال مَن لم يحكم بنجاسةِ عَظْمِ الميتةِ: إذا كان هذا ثابتًا في الحيوانِ الكاملِ مع ما فيه من الرُّطُوبَاتِ والفَضَلَاتِ، وعدم الصَّلَابةِ، فثبوتُه في العَظْمِ الذي هو أبعدُ عنِ الرُّطوباتِ والفَضَلَاتِ واحتقانِ الدَّمِ أَوْلَى، وهذا في غايةِ القُوَّةِ، فالمصيرُ إليه أَوْلَى.

وأوَّلُ مَن حُفِظَ عنه في الإسلامِ أنه تكلَّمَ بهذه اللفظةِ، فقال: ما لا نَفْسَ له سَائِلةٌ إبراهيم النَّخَعِيُّ وعنه تلقَّاها الفقهاءُ -والنَفْسُ في اللُّغةِ: يعبَّر بها عن الدَّمِ، ومنه نَفستِ المرأةُ- بفتح النون -إذا حاضت، ونُفِسَتْ -بضمها- إذا وَلَدَتْ.

وأما المعنى الطبيُّ: فقال أبو عُبيد: معنى امْقُلُوهُ: اغْمِسُوهُ ليخرجَ الشِّفاءُ منه، كما خرجَ الدَّاءُ، يقال للرجلين: هما يَتَمَاقَلَانِ، إذا تَغَاطَّا في الماءِ.

واعلمْ أن في الذُّبابِ عندهم قُوَّةً سُمِّيَّةً يَدُلُّ عليهَا الوَرَمُ، والحكَّةُ