بينما قال عن رواية الثوري:((والحديث أسنده الثوري أيضًا، لكن خالف شعبة في إسناده فقال: عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم عن زينب ... وبَيَّنَّا أنه منقطع. والعمدة على رواية شعبة؛ فإنه قد حفظه وأجاده)) (صحيح أبي داود ٢/ ٨٨، ٨٩).
قلنا: صنيعه هذا فيه نظر من وجوه:
منها: أنه رجح رواية شعبة مع أن الثوري أحفظ منه.
ومنها: أنه قَوَّى مسند شعبة بمرسل ابن عيينة، مع أنه مخالف لشعبة وليس بمتابع، فتصحيح مرسله كما ذهب إليه يُعَد علة للمسند!
ثم إن ترجيح رواية شعبة يعني القضاء على الثوري وابن عيينة معًا بالوهم! وكذا ترجيح أي وجه من الثلاثة يقضي على رواية الآخرين بالوهم! وكلهم أئمة أثبات حفاظ.
فالحَمْل في ذلك على ابن القاسم أَوْلى من تخطئة غير واحد من الحفاظ. وهذا ما سلكه ابن عبد البر، فإنه حكى في (التمهيد ١٦/ ٩١، ٩٢) اختلافهم على ابن القاسم، ثم قال:((وأما الأحاديث المرفوعة في الجمع بين الصلاتين بغسل واحد، فكلها مضطربة، لا تجب بمثلها حجة)) (التمهيد ١٦/ ٩٩ بتصرف).
ونَقَل ابن رجب في (الفتح ٢/ ٧٣) بعض عبارته باختصار، وأقره.
ويدل عليه قوله في موطن آخر:((واستَدل مَن أباح الجمع للمريض بأمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة أن تجمع بين الصلاتين بغسل واحد؛ لمشقة الغسل عليها لكل صلاة، وذلك ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حمنة بنت جحش وعائشة وأسماء بنت عميس، وفي أسانيدها بعض شيء)) (الفتح ٤/ ٢٧٠).