ثانيا: إن قيل: كيف استجاز ابن عمر النظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في تلك الحالة؟
قلنا: أجاب عن ذلك عدد من أهل العلم؛
فقال أبو الوليد الباجي:"يحتمل أَنْ يكون الموضع في دار عَهِدَها ابنُ عمر غير مسكونة، فدخل فيها النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحال. وقد روى في المبسوط: نافع عن ابن عمر قال: «حَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في المَخْدَعِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ»، فاقتضى ذلك أَنَّ ابن عمر لم يقصد النظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم على تلك الحال"(المنتقى شرح الموطأ ١/ ٣٣٦).
وقال القاضي عياض:"يحتمل أنه لم يقصد ذلك، أو قصد من ذلك رؤية أعلاه ليستدل بصورة جلوسه هناك على فعله مع تحفظه من الاطلاع على غير أعلاه"(إكمال المعلم بفوائد مسلم ٢/ ٧٣).
وقال ابن الملقن:"هذا الاطلاع من ابن عمر رضي الله عنهما لم يكن تجسسًا وإنما كان اتفاقيًّا من غير قصد، ولم ير إِلَّا أعاليه فقط، ويحتمل كما أبداه القاضي أَنْ يكون عن قصد التعلم مع أمنه من الاطلاع على ما لا يجوز الاطلاع عليه، لكن قد يبعده رواية البخاري:(ارتقيت فوق بيت حفصة لبعض حاجتي). ويجمع بين قوله:(بيت لنا) و (بيت حفصة) بأن بيت حفصة بيته، أو بأنه كان لها بيت في بيت عمر يعرف بها أو صار إليها بعد"(التوضيح لشرح الجامع الصحيح ٤/ ١١٢).
قلنا: ومما يؤكد أَنَّ ذلك وقع له اتفاقًا من غير قصد، قوله في رواية الطحاوي وغيره - بإسناد صحيح -: « ... فِي سَاعَةٍ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يَخْرُجُ فِيهَا»، وسيأتي تخريجها والكلام عليها قريبًا. والله أعلم.