للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حديث أبي ذر الغفاري [*]

◼ عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده، فقلت: ما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لوحي أو لحاجة، فقال: ((ادنُ مني يَا جُندُبَ))، فَدَنَوتُ منه، وَاستَغنَمتُ خَلوَتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! أمرتنا بالوضوء، فما الوضوء؟ قال: ((يَا أَبَا ذَر! لَا صَلَاةَ إلا بالوُضُوء، وَإن الوُضُوءَ ليُكَفرُ مَا قَبلَهُ منَ الذنُوب)). فقلت: يا نبي الله! أمرتنا بالصلاة فما الصلاة؟ قال: ((الصلَاةُ خَيرُ مَوضُوع فَمَن شَاءَ فَليُقَلل، وَمَن شَاءَ فَليُكثر)). فقلت: يا نبي الله! أمرتنا بالزكاة، فما الزكاة؟ فقال: ((يَا أَبَا ذَر! لَا إيمَانَ لمَن لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا صَلَاةَ لمَن لَا زَكَاةَ لَهُ، وَإن اللهَ تَعَالَى افتَرَضَ عَلَى الأَغنيَاء زَكَاةَ أَموَالهم، بقَدر مَا يَستَغني فُقَرَاؤُهُم، وَإن اللهَ تَعَالَى سَائلٌ الأَغنيَاءَ عَن الزكَاة وَمُعَذبُهُم عَلَيهَا، يَا أَبَا ذَر! مَا انتَقَصَ مَالٌ من زَكَاة، وَلَا ضَاعَ مَالٌ من بَر أَو بَحر إلا بمَنع الزكَاة، يَا أَبَا ذَر! لَا يُعطي زَكَاةَ مَاله طَيبَةٌ بهَا نَفسُهُ إلا مُؤمنٌ، وَلَا يَمنَعُ الزكَاةَ إلا مُشركٌ)). فقلت: يا نبي الله! أمرتنا بالصوم، فما الصوم؟ قال: ((الصومُ جُنةٌ وَعندَ الله الجَزَاءُ، وَللصائم فَرحَتَان فَرحَةٌ حينَ يُفطرُ، وَفَرحَةٌ حينَ يَلقَى رَبهُ، وَخُلُوفُ فَم الصائم عندَ الله أَطيَبُ من ريح المسك، وَيُوضَعُ للناس يَومَ القيَامَة مَائدَةٌ فَأَولُ مَن يَأكُلُ منهَا الصائمُونَ)). فقلت: يا نبي الله! أمرتنا بالصبر، فما الصبر؟ فقال: ((إن مَثَلَ الصبر كَمَثَل رَجُل مَعَهُ صُرةٌ من مسك، وَهُوَ في عُصبَة منَ الناس، كُلهُم يُعجبُهُ أَن يُوجَدَ ريحُهَا منهُ)). فقلت: يا نبي الله! أمرتنا بالصدقة، فما الصدقة؟ قال: ((بَخ بَخ يَا أَبَا ذَر، الصدَقَةُ في السر تُطفئُ غَضَبَ الرب، وَالصدَقَةُ في العَلَانيَة تُذهبُ من صَاحبهَا سَبعَ مائَة شَر، وَالصدَقَةُ تُطفئُ الخَطيئَةَ، وَتُطفئُ غَضَبَ النار، وَغَضَبَ الرب، وَالصدَقَةُ شَيءٌ عَجيبٌ وَالصدَقَةُ شَيءٌ عَجيبٌ وَالصدَقَةُ شَيءٌ عَجيبٌ)). فقلت: يا نبي الله! أمرتنا بالرقاب، فأي الرقاب أفضل أن يعتق؟ قال: ((أَغلَاهَا ثَمَنًا)). فقلت: يا نبي الله! فأي الهجرة أفضل؟ قال: ((أَن تَهجُرَ السوءَ)). فقلت: يا نبي الله! فأي الناس أسلم؟ قال: ((مَن سَلمَ الناسُ من لسَانه وَيَده)). فقلت: يا نبي الله! فأي الناس أَعجَزُ؟ قال: ((مَن عَجَزَ عَن الدعَاء)). فقلت: يا نبي الله! فأي الناس أَبخَلُ؟ قَالَ: ((مَن بَخلَ بالسلَام)). فقلت: يا نبي الله! فأي المجاهدين أفضل؟ قال: ((مَن عُقرَ جَوَادُهُ وَأُهرقَ دَمُهُ)). فقلت: يا نبي الله! أخبرني عن صُحُف إبراهيم عليه السلام، وعن الكتب متى أنزلت؟ قال: ((أُنزلَت صُحُفُ إبرَاهيمَ أَولَ لَيلَة مَضَت من شَهر رَمَضَانَ، وَأُنزلَ الإنجيلُ في اثنَي عَشَرَ من رَمَضَانَ، وَأُنزلَ الزبُورُ في ثَمَاني عَشرة مَضَينَ من رَمَضَانَ، وَأُنزلَت التورَاةُ في ثَمَان مَضَينَ من رَمَضَانَ، وَأُنزلَ الفُرقَانُ في أَربَع وَعشرينَ مَضَينَ من رَمَضَانَ)). فقلت: يا نبي الله! كم كان الأنبياء، وكم كان المرسلون؟ قال: ((كَانَ الأَنبيَاءُ مائَةَ أَلف نَبي، وَأَربَعَةً وَعشرينَ أَلف نَبي، وَكَانَ المُرسَلُونَ ثَلَاثَ مائَة وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَقَد يَكُونُ نَبيا وَلَا يَكُونُ مُرسَلًا، وَقَد يَكُونُ نَبيا مُرسَلًا)).

[الحكم]: إسناده ضعيف جدًا.

[التخريج]: [غافل (ص ٥٨٣ - ٥٨٤) واللفظ له / علوم (١/ ٣٨٢) مُختصرًا].

[السند]:

رواه أبو الليث السمرقندي (تنبيه الغافلين ص: ٥٨٣ - ٥٨٤)، وفي (التفسير ١/ ٣٨٢): عن الفقيه أبي جعفر الهندواني عن أبي بكر أحمد بن محمد بن سهل القاضي، عن إبراهيم بن خُشَيْش (١) البصري، عن أبيه (٢)، عن شعبة (٣)، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور، عن أبي ذر الغفاري، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف جدًا، فيه أربع علل:

الأولى: الحارث الأعور، وهو الحارث بن عبد الله أبو زهير الكوفي الأعور الهمداني، قال فيه الحافظ ابن حجر: ((كذَّبه الشعبي في رأيه، ورُمي بالرفض، وفي حديثه ضعف)) (تقريب التهذيب ١٠٢٩).

العلة الثانية: أبو إبراهيم خُشَيْش (٤) البصري، ترجم له الحسين بن أحمد بن بكير الصيرفي - فيما استدركه على البرديجي - في (طبقات الأسماء المفردة ص: ١٣٠)، وابن ماكولا في (الإكمال ٣/ ١٥٠)، برواية ابنه فقط عنه، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا؛ فيكون بذلك مجهول، وبذلك حَكَم عليه ابن الجوزي كما سيأتي.

العلة الثالثة: إبراهيم بن خُشَيْش البصري، لم نقف له على ترجمة إلا عند ابن ماكولا في (الإكمال ٣/ ١٥١)، برواية أبي بكر أحمد بن محمد بن سهل وحْده عنه، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا؛ فيكون بذلك مجهول أيضًا، وبذلك حَكَم عليه وعلى أبيه ابنُ الجوزي حيث روى حديثًا من طريق أبي بكر أحمد بن محمد بن سهل القاضي عن إبراهيم بن خشيش عن أبيه عن شعبة عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي بن أبي طالب، ثم قال عقبه: ((هذا حديث لا يصح. . . الحارث الأعور كذاب، وبعده جماعة مجهولون)) (العلل المتناهية ٢/ ٧٠٩).

العلة الرابعة: أبو جعفر محمد بن عبد الله بن محمد الرازي الحنفي البلخيّ الهندوانيّ، ترجم له السهمي في (تاريخ جرجان ص: ٤٠٥)، والذهبي في (تاريخ الإسلام ٨/ ٢٠٧) وفي غيره من مُصنَّفاته, وغيرهما برواية جماعة عنه، ولم ينقلوا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وبذلك يكون مجهول الحال، وقد سبق الكلام عليه مفصلًا.

وللحديث طريق آخر عن أبي ذر الغفاري، إلا أنه بدون فقرة الزكاة الشاهد للباب، أخرجه ابن حبان في (صحيحه ٣٦١)، وأبو نعيم في (حلية الأولياء ١/ ١٦٦ - ١٦٨) من طريق إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني، حدثني أبي، عن جدي، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر، به.

وهذا إسناد ضعيف جدًا، فيه إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني، كذبه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان، وقال الذهبي: ((متروك))، وانظر (لسان الميزان ١/ ٣٨١ - ٣٨٢).

[تنبيهان]:

الأول: روى السمرقندي في (تنبيه الغافلين ص: ٥٨٤ - ٥٨٥)، عقب هذا الحديث، قال: وحدثنا عبد الوهاب بن محمد، بإسناده عن أبي ذر، نحو هذا، وزاد فيه: فقلت: يا نبي الله فأي وقت الليل أفضل؟ قال: ((جَوفُ الليل الغَابر) قلت: فأي الصلاة أفضل؟ قال: ((طُولُ القُنُوت) قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: ((جَهدُ من مُقل مُعسر سيقَ إلَى فَقير) فقلت: من كان أول الأنبياء؟ قال: ((آدَمُ) فقلت: يا رسول الله كان آدم مرسلا؟ قال:. . . فذكر الحديث بطوله.

قلنا: الأصل أن تضاف هذه الرواية كزيادة في المتن الأصل طالما أن لها نفس حكم، لكن لمن نقف على كل رواة إسنادها لأن المصنف اختصر الإسناد، فتبقى هذه الزيادة حتى نقف على إسنادها ليتبن حكمها، فإما تضاف كزيادة على أصل المتن أو تفرد كرواية مستقلة.

الثاني: وهو نفس إشكال التنبيه السابق، حيث روى السمرقندي في (تنبيه الغافلين ص: ٥٨٥)، عقب الحديث، قال: وحدثني أبي رحمه الله تعالى، بإسناده عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، أنه قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده، فمرة قلت في نفسي: آتيه لأستفيد منه في حال خلوته، ومرة قلت: لا أشغله عما هو فيه، فأبيت إلا أن آتيه فأتيته، وسلمت عليه وجلست عنده طويلا لم يكلمني، حتى قلت في نفسي: إنه قد شق عليه جلوسي، ثم قال: ((يَا أَبَا ذَر هَل رَكَعتَ؟)) قلت: لا، قال: ((قُم فَاركَع، لكُل شَيء تَحيةً وَتَحيةُ المَسجد رَكعَتَان))، فقمت وركعت، ثم جلست إليه طويلا، ثم قال: ((يَا أَبَا ذَر! استَعذ بالله منَ الشيطَان الرجيم، وَمن شَر شَيَاطين الإنس وَالجن) فقلت: يا رسول الله أومن الإنس شياطين؟ قال: ((أَمَا تَسمَعُ قَولَهُ تَعَالَى: {شَيَاطينَ الإنس وَالجن} [الأنعام: ١١٢]))، ثم سكت فلما رأيت أنه لا يُكلمني ولا يحدثني، أفضت في الكلام، فقلت: يا نبي الله أمرتني بالصلاة فما الصلاة؟. . . وذكر نحو السؤالات التي ذكرناها. . .

قلنا: نفس الأمر السابق بأن المصنف اختصر الإسناد فلم يَبِن لنا حُكم الرواية، فإذا وقفنا على إسنادها صارت كزيادة على المتن الأصل، أو تُفرد كرواية مستقلة.

ويُحتمل أنَّ إسناد هذه الرواية هو من طريق معان بن رفاعة عن علي بن يزيد الألهاني عن القاسن أبي عبد الرحمن عن أبي ذر، به.

أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير ٨/ ٢١٧/ ٧٨٧١) من طريق معان بن رفاعة، به. وفيه نفس اللفظ الذي أظهره السمرقندي ولم يختصره، فيحتمل أنه لنفس الإسناد أيضًا، والله أعلم.


(١) تحرف في مطبوع (تنبيه الغافلين) إلى: ((الحسن))، وجاء على الصواب في (التفسير)، وسيأتي التعريف به وبأبيه في الكلام عليهما في بيان علل الحديث.
(٢) قوله: ((عن أبيه))، سقط من إسناد (التفسير)، وجاء على الصواب في (تنبيه الغافلين)، وأيضًا لا يروي إبراهيم بن خشيش عن شعبة إلا بواسطة أبيه، كما سيأتي في ترجمتيهما.
(٣) جاء في (تنبيه الغافلين): ((عن شعبة عن سعيد عن الحجاج عن أبي إسحاق الهمداني))، كذا بزيادة: ((عن سعيد عن الحجاج))، والظاهر أنها مُقحمة، وذلك لأمور:
الأول: جاء على الصواب في الكتاب الآخر للسمرقندي وهو (التفسير).
الثاني: لم نقف على رواية في شيء من كتب السنة لشعبة عن أبي إسحاق السبيعي بواسطة رجلين، فشعبة من أصحاب أبي إسحاق المُقدمين فيه، فكيف يروي عنه بواسطة رجلين؟!.
الثالث: هذا الإسناد - ((إبراهيم بن خُشيش عن أبيه عن شعبة عن أبي إسحاق عن الحارث)) - يروي به بعض أهل العلم بدون واسطة بين شعبة وأبي إسحاق، مثل حديث: ((يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لا يَكُونَ شَاخِصًا إِلا فِي ثَلاثٍ: طَلَبٍ لِمَعَاشٍ، أَوْ خُطْوَةٍ لِمَعَادٍ، أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مَحْرَمٍ))، أخرجه الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد ٢/ ١٩٢)، وابن الجوزي في (العلل المتناهية ٢/ ٧٠٩)، وغيرهما.
(٤) قوله: ((خُشَيش)): بضم الخاء المعجمة وبشين معجمة مكررة مصغر، وانظر (الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب ٣/ ١٥٠).

[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا الحديث ورد في الأصل الإلكتروني