كما فعلَ عمرُ رضي الله عنه في سؤالِهِ البينةَ بعضَ مَن كان يَروي له شيئًا عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، كما هو مشهورٌ عنه، والاستحلافُ أيسرُ من سؤالِ البينةِ، وقد رُوي الاستحلافُ عن غيرِهِ أيضًا".
قلنا: البخاريُّ لم ينكرْ مطلقَ الاستحلافِ، وإنما أنكرَ كونَ عليٍّ رضي الله عنه كانَ يُكثرُ من ذلك ويعتاده، مع ما ثبتَ من روايةِ عليٍّ رضي الله عنه عن عمرَ رضي الله عنه وليسَ فيها ذكرُ الاستحلافِ كما ذكرَ البخاريُّ في كلامِهِ المتقدمِ عندَ العقيليِّ، ولم يثبتْ من وجهٍ آخرَ أن صحابيًّا آخرَ كان يفعلُهُ، وكون عمر رضي الله عنه كان يسألُ البَيِّنَةَ فهذا مذهبٌ لعمرَ مشهورٌ، وله ملابسات خاصة ووقائع محدودة، وقد أجابَ عنها أهلُ العلمِ.
وقد أجابَ مغلطايُ عن تَعَقُّبِ المزيِّ؛ فقال: "قولُهُ: (وقد رُوي الاستحلافُ عن غيرِهِ أيضًا) مردودٌ بأمرين:
الأول: مَن هو هذا الذي رُوي عنه ذلك؟ ومَن ذكره؟ وفي أيِّ موضعٍ هو؟ بل لقائلٍ أن يقولَ: لو كانَ رَآه لذكره كما ذكرَ المتابع، وليسَ قولُهُ بأَوْلَى من قولِ البخاريِّ النافي، وليستْ مسألةُ النافي والمثبت؛ لعدمِ التساوي.
الثاني: على تقديرِ وجودِ واحدٍ أو اثنين لا يَقْدَحُ في عمومِ قولِ البخاريِّ؛ لاحتمال أن يكون من صغارِ الصحابةِ فَعَلَهُ اقْتِدَاءً بعليٍّ وتقليدًا له".
وقال: "قوله: (ليس فيه -يعني في الحديث- أن كلَّ واحدٍ منَ الصحابةِ كانَ يستحلفُ مَن حَدَّثَهُ) مردودٌ بأن البخاريَّ رحمه الله تعالى لم يقلْهُ ولا هو موجودٌ في كلامِهِ أيضًا، ولو أرادَهُ لما أطاقه؛ لعدمِ الإحاطةِ بكلِّ فردٍ، واللهُ تعالى أعلمُ بالصوابِ" (إكمال تهذيب الكمال ٢/ ١٣٧).
قلنا: وفي الحديثِ علةٌ أُخرَى أشارَ إليها الترمذيُّ وغيرُهُ، فقالَ: " ... ورَوى