وقال ابنُ حَجَرٍ:"وأما حديث جَرير: فرواه ابنُ عَدِيٍّ، وفيه ياسين الزيات؛ وهو متروك"(التلخيص الحبير ١/ ١٥١)، وتَبِعَه العَيْنيُّ في (البناية ١/ ٢٢٥)، والشَّوْكانيُّ في (نيل الأوطار ١/ ١٨٩).
قلنا: كذا عَزَوْه جميعًا لابن عَدِيٍّ ضِمْنَ أحاديثِ تخليل اللحية ولم يذكروا مَتْنَه، ولم نقف في النسخ المطبوعة من (الكامل) على حديث لجَرِير بذِكْرِ تخليلِ اللحية.
والذي يبدو - لنا - أن ذلك وهَمٌ من ابن سيِّدِ الناسِ، وتَبِعَه عليه الآخرون؛ وذلك أنَّ ابنَ عَدِيٍّ أخرج في (الكامل ١٠/ ٤٩٧) من طريقِ ياسين بن معاذ الزيات، حَدَّثني حماد، حَدَّثني رِبْعِيُّ بنُ حِرَاشٍ، قال: سمِعتُ جَريرًا يقول: وَضَّأْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَدَمَا نَزَلَتِ المَائِدَةُ، فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ".
فجاء ابن طاهر المقدسيُّ فذكره في (ذخيرة الحفاظ ٥٩٣٢) مع حديث أنس في تخليل اللحية؛ لاتِّفاقهما في طرَف الحديث، وهذا نصُّ كلامه: "حديث: وَضَّأْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ، ثُمَّ قال: بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي. رواه سَلَّامٌ الطويل، عن زيدٍ العَمِّيّ، عن معاويةَ بنِ قُرَّةَ، عن أنس. وسَلَّامٌ متروكُ الحديثِ.
وأورده في ترجمة ياسين الزيات: عن حماد، عن ربيعي بن خراش رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ، عن جَرِير يقول: وَضَّأْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَمَا نَزَلَتِ المَائِدَةُ، فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ. وياسين هذا متروكُ الحديثِ" اهـ.
فظنَّ ابنُ سيِّدِ الناسِ - وتَبِعَه المذكورون (١) - أن حديث جَريرٍ المذكورَ
(١) وصدق الحافظ ابن حَجَر إذ يقول: "إن كثيرًا من المحدِّثين وغيرِهم يستروحون بنقل كلامِ مَن يتقدَّمُهم مقلِّدين له، ويكون الأول ما أتقن ولا حرَّر، بل يتبعونه تحسينًا للظن به، والإتقانُ بخلاف [ذلك] " (مقدمة الفتح ١/ ٤٦٥).