وقال في موضعٍ آخَرَ:"وأهل العلم يكرهون للمتوضيء ترْكَ مسْحِ أذنيه، ويجعلونه تارِكَ سُنَّةٍ من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يوجبون عليه إعادة، إلا إسحاقَ بنَ راهُويَهْ، فإنه قال: إنْ ترَكَ مسْحَ أذنيه عامدًا لم يُجْزِه. وقال أحمد بن حَنبَل: إن تركهما عمدًا أحببتُ أن يعيد"(التمهيد ٤/ ٣٧).
وقال حرب بن إسماعيل الكرماني: قلت لأحمدَ: فنَسِيَ أن يمسح أذنيه؟ فكأنه ذهب إلى الإعادة، وقال:«إِنَّ الأُذُنَيْنِ مِنَ الرَّأْسِ».
وسمعت إسحاقَ يقول: «إن مسحت رأسك ولم تمسح أذنيك عمدًا؛ لم يُجْزِك، وإن مسحت أذنيك ولم تمسح رأسك؛ لم يُجْزِكَ حتى تمسح رأسك، ولا يجوز ترك مسح الأذن عمدًا على أي حال كان، وإن كان نَسِيَ أو سها عن موضع الأذن؛ رجونا أن يكون جائزًا، فأما أن يتركها عمدًا؛ فعليه الإعادة؛ لأن أمر المسلمين في وُضوئهم على مسح الأذنين، من (لَدُن) النبي عليه السلام إلى يومنا هذا؛ لا يختلف فيه أحد من أهلِ العلمِ؛ أنْ يُمْسحا، فإذا ثبتَتِ السُّنَّةُ بمسحهما؛ لم يَجُزْ لنا ترْكُهُما عمدًا، إلا أن يعيد، فأما الناسي؛ فهو جائز" (مسائل حرب - كتاب الطهارة ص ١٢٨).
وقال ابنُ المُنْذِرِ: "اختَلَف أهل العلم فيمن ترك مسح الأذنين؛ فقالت طائفة: لا إعادة عليه، كذلك قال مالك والشافعي والأَوْزَاعيّ والثَّوْريّ وأبو ثَوْرٍ وأصحاب الرأي.
وقال إسحاق: وإن مسحت رأسك ولم تمسح أذنيك عمدًا لم يُجِزْكَ، وقال أحمد:"إذا تركه متعمدًا أخشى أن يعيد".
قال ابنُ المُنْذِرِ:"لا شيء عليه؛ إذ لا حُجَّةَ مع من يوجب ذلك (١) "
(١) حيث إن حديث: ((الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ)) منكَرٌ لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الثابت فقط أن النبي صلى الله عليه وسلم مسَح أذنيه في وُضوئه، كما صح من حديث ابن عبَّاس وغيره، وفِعْلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم المجرَّدُ لا يفيد الوجوب، كما هو مُقرَّرٌ في علم الأصول، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب عليه، بدليل أنه لم يذكره عدد من الصحابة الذين حَكَوْا صفةَ وُضوئِه صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.