وممن ذهب إلى أنهما من الرأس: ابنُ المُسَيِّب، وعطاء، والحسن، وابنُ سِيرين، وسعيد بن جُبَير، والنَّخَعيُّ. وهو قول الثَّوْريِّ، وأصحابِ الرأي، ومالكٍ، وأحمدَ بنِ حَنبَل.
وقال الشافعي: هما سُنَّةٌ على حِيالِهما، ليستا من الوجه ولا من الرأس.
وتأوَّل أصحابُه الحديث على وجهين: أحدهما: أنهما يُمسحان مع الرأس تبعًا له؛ والآخر: أنهما يُمسحان كما يمسح الرأس ولا يُغسلان كالوجه، وإضافتهما إلى الرأس إضافةُ تشبيه وتقريب، لا إضافةُ تحقيق، وإنما هو في معنًى دون معنى، كقول: مَوْلَى القَوْمِ مِنْهُمْ، أي: في حُكْم النصرة والموالاة، دون حُكْمِ النَّسَب واستحقاقِ الإرث ...
وفائدة الكلام ومعناه عندهم: إبانة الأذن عن الوجه في حُكم الغَسل، وقطع الشبهة فيها، لِما بينهما من الشَّبه في الصورة، وذلك أنهما وُجِدتا في أصل الخِلْقة بلا شعَرٍ، وجُعِلتا محلًا لحاسَّةٍ من الحواس، ومعظم الحواس محلُّه الوجه، فقيل: الأذنان من الرأس؛ ليُعلم أنهما ليستا من الوجه" (معالم السنن ١/ ٥٢).
وقال الحافظُ ابنُ حَجَر: "معنى هذا المتن أن الأذنين حُكْمُهما حُكْمُ الرأس في المسح، لا أنهما جزء من الرأس؛ بدليل أنه لا يجزئ المسحُ على ما عليهما من شعر عند من يجتزئ بمسح بعض الرأس بالاتفاق. وكذلك لا يُجزئ المُحْرِمَ أنْ يُقَصِّرَ مما عليهما مِن شعَرٍ بالإجماع، والله الموفِّق" (النكت على ابنِ الصَّلاحِ ١/ ٤١٥).