وخلاصةُ ما سبقَ: أن الحديثَ بلفظِ المسحِ على القَدَمَينِ رواه ثلاثةٌ عن عبدِ خَيرٍ:
أولهم: ابنُه المسيبُ، وجاءَ عنه مِن طريقين:
أحدهما: لا يصحُّ، وهو طريق مطر الوراق. والثاني: طريق أبي السوداء، وقد رواه عنه ابنُ عيينةَ مرَّةً بلفظِ المَسْحِ، ومرَّةً بلفظِ الغَسْلِ، ورجَّحَ الدارقطنيُّ الثاني بدلالةِ المحفوظِ عن عبدِ خَيرٍ من روايةِ خالدِ بنِ علقمةَ وغيره.
وثانيهم: السُّديُّ، وهو من روايةِ شَريكٍ النخعيِّ، ومع سُوءِ حفظه فقد تَبَيَّنَ أنَّ حديثَهُ إنما هو في تجديدِ الوُضُوءِ للطاهرِ، فلا حُجَّةَ فيه للمخالفِ. وقد حَمَلَ بعضُ العلماءِ سائِرَ رواياتِ مسحِ القدمِ على هذا المعنى.
وثالثهم: أبو إسحاقَ السَّبيعيُّ، وهو مدلسٌ، ولم يَثبتْ تصريحُه له بالسماعِ من عبدِ خيرٍ، فروايتُهُ ضعيفةٌ على أيةِ حَالٍ، ومع ذلك فقد اختُلفَ عليه فيه اختلافًا كثيرًا؛ ولذا لا يصحُّ أن يقالَ:"قد تابعه المسيب والسدي، فيصح" لأنا نقول: تابعاه على ماذا؟ أعلى المسح على القدم؟ أم على المسح على الخف؟ ! أم على المسح على النعل؟ أم على غسل القدم؟ !
ولو نظرنا إلى هذا الاختلافِ لوجدنا أن:
* رواية المسح على القدمين: جاءتْ من طريقِ الأعمشِ -مع اختلافٍ عليه- وحديثُهُ عن أبي إسحاقَ مضطربٌ، وقد اضطربَ فيه فعلًا، وجاءتْ أيضًا من طريقِ الثوريِّ، وهي غيرُ محفوظةٍ عنه كما بَيَّنَّاهُ، بل المحفوظُ عنه خلافه، وكذلك الشَّأْنُ مع روايةِ إسرائيلَ.
* ورواية المسح على النعلين: جاءتْ من طريقِ يُونسَ، وقد سَمِعَ من أبيه