استحسان نحاة هذا القرن، وحظيت بقبولهم، ولكن لبعدهم عن التعصب لاقت بعض آراء الكوفيين قبولا عندهم، وكانت من قبل لا يرغب فيها إلا من كان متعصبا لمدرسة الكوفة.
والمطلع على كتاب" البديع في علم العربية" - وهو الكتاب الوحيد الباقي لابن الأثير" في النحو والصرف، - سيحكم لأول وهلة أن" ابن الأثير" ذو نزعة بصريّة، ولكن من ينعم النظر فيه سيجد المؤلف - وإن بدا عليه الاتجاه نحو المدرسة البصرية - يرجّح كثيرا من آراء الكوفيين، ويرّد بعض آراء البصريين، بل قد يصمهم بالتعسف في تخريج الأدلة، وقد يرد على زعيم مدرستهم سيبويه، وهذا كله ينفي عنه صفة التعصب لمدرسة بعينها.
والمؤلف - رحمه الله - يختار من الآراء ما يبدو له أنه الأقرب للصواب وهو كثير الاجتهاد في اختيار الأرجح، ولذا رأينا أنه قد يختار الرأي غير المشهور، ويترك رأي الجمهور، وقد سبق إيراد أمثلة لذلك (١).
وموافقته البصريّين ظاهرة في مظعم الكتاب، ويصعب حصر المسائل التي اتبعهم فيها، وأما متابعته الكوفيين فجاءت في مواضع كثيرة من الكتاب وسنكتفى بأمثلة قليلة منها:
[عرضه لمذهبي البصريين والكوفيين]
لم يشذ ابن الأثير عن متأخري النحاة في ذكر آراء المدرستين الكوفية والبصرية.
ومع هذا يكاد ينفرد باتباع مسلك عجيب إزاء عرضه للمذهبين، فهو يفصل ويحدد، ويدقق تدقيقا غريبا قلّ أن يرى لغيره، ومن ذلك: