للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا" على": فمعناها الاستعلاء، ولها موضعان:

الأوّل: حقيقىّ، وهو أن يكون ما قبلها فوق مسمّى المجرور، إن كان ممّا يعلى، كقولك: زيد على الفرس، وعلى عمرو ثوب.

الثّاني: مجازيّ، كقولك: فلان أمير على البلد، وكقوله تعالى:

" وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ" (١)، ومنه قولهم: عليه مال، ومررت على زيد، أي: إنّ المال قد اعتلاه، وإنّ مروره على مكانه.

وأمّا" ربّ": فمعناها التقليل، ولها صدر الكلام، وقد جاءت بمعنى التكثير في الشّعر، حملا على" كم"، والفارسيّ (٢) يقول، في قوله تعالى:

رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٣): لا معنى للتّقليل فيها؛ لأنّه لا حجّة عليهم فيه.

[ولها أحكام]

الحكم الأوّل: لا بدّ لها من فعل تتعلّق (٤) به حتى تعدّيه، ولا يكون إلّا ماضيا، متأخّرا عنها، ويجوز حذفه، وإظهاره، وأكثر ما تستعمله العرب محذوفا، تقول: ربّ رجل عاقل لقيت، فأنت مخيّر في" لقيت"، إن جعلته صفة، كان العامل محذوفا، وإنّما جاز حذفه؛ لأنّه جواب، والجواب يتسلّط


(١) ٥٨ / الفرقان.
(٢) لم أهتد إلى نصّ كلام أبي عليّ في المسألة في المطبوع من كتبه، ومعنى كلامه الذي نقله عنه ابن الأثير موجود في البغداديات ٢٨٨ حيث ذكر الآية" رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ": ثمّ قال:
" ويبعد أن تجعلها - يقصد" ما" - التى هي اسم منكور أيضا على أن يكون التقدير: ربّ شيء يودّه الذين كفروا؛ لأنّ المعنى ليس علي أنّهم يودّن شيئا، إنّما الذي يودّونه الإسلام لو كانوا منهم، ويودّون لو كانوا مسلمين" وانظر" كتاب الشعر" ٣٩٢ - ٣٩٣. حيث تكلّم على أنّ" ربما" للتكثير، لا للتّقليل.
(٣) ٢ / الحجر.
(٤) المراد بالتعلق هاهنا هو: التّعلّق المشترط في حروف الجرّ غير الزائدة؛ فلا بدّ لها من فعل يعمل فيها ويظهر معنى الحرف في هذا الفعل. انظر: ابن يعيش ٨/ ٢٩٨، والجنى الداني ٤٢٧.