للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذرعي، وتصبّب عرق زيد، فالنفس هي الفاعلة، والياء مجرورة الموضع بالإضافة، ثمّ إنّهم أسندوا الفعل إلى الياء، منقولا عن موضعه، فارتفع به كما ارتفعت به النّفس، فبقي المرفوع أوّلا غير مستحقّ للرّفع؛ لأنّه لا يكون فاعلان لفعل واحد بغير عاطف، وليس بصفة للأوّل؛ لأنّه نكرة والأوّل معرفة ولا هو هو، فيكون بدل كلّ، ولا فيه ضمير، فيكون بدل اشتمال، أو بعض، ولا يجوز جرّه؛ لعدم الجارّ؛ فلم يبق إلّا النّصب؛ فنصبوه لذلك؛ ولأنّه جاء بعد تمام الكلام، وهو/ استيفاء الفعل فاعله.

وفي قولهم:" امتلأ الإناء ماء"، نظر؛ لأنّك لا تقول: امتلأ ماء الإناء، كما تقول: تصّبب عرق زيد، ولكنّه لمّا كان الماء يملأ الإناء؛ قرب من ذلك وكان فاعلا.

ومن هذا الباب، كلّ ما يأتي بعد" أفعل" التّى للتفضيل، نحو قولك:

زيد أكمل النّاس عقلا، وأحسنهم وجها، وهو أجرأ جنانا، وأحسن عبدا؛ فالكمال والحسن والجراءة - فى الحقيقة - هي للعقل والوجه والجنان والعبد، وهي - في اللفظ - لمن أضيفت إليه، وفيه ضميره، إلا أنّ الوجه بعضه، والعبد غيره؛ فإذا قلت: أنت أحسن العبيد، فقد قدّمته عليهم، وهو واحد منهم، وإذا قلت: أنت أحسن عبد في النّاس، فمعناه: أنت أحسن من كلّ عبد إذا أفردوا عبدا عبدا، كما تقول: أنتما أحسن عبدين في النّاس إذا أفرد العبيد اثنين اثنين، وإذا قلت: زيد أحسن عبدا، لم يكن زيدا عبدا، وإذا قلت: زيد أحسن عبد، كان عبدا، واستقبحوا: زيد أكثر مالا وأطيبه؛ لأنّ الهاء لا تكون فى موضع الجرّ؛ لأنّه ليس ببعض الأوّل، ولا في موضع النّصب؛