هذه جملة من الأحاديث تدل على أن هناك صنفاً من أهل النار لا يخلدون فيها، وكون الإنسان إذا مات على التوحيد فإنه ينجو من الخلود في النار، لكن إذا كان له ذنوب فإنه يعذب بها في جهنم، بعض الناس قد تتساهل في الأمر، وتقول: سواء طالت المدة أم قصرت سنخرج من النار، ضمن لك أنك ستموت على الإيمان وعلى التوحيد؟ أتظن أن الأمر في يدك أنت؟! هذا لا يملكه إلا الله تبارك وتعالى الذي يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ثم إن من المعروف أن المعاصي هي بريد الكفر، حيث تتدرج بالإنسان حتى توقعه في الكفر، والإنسان إذا تساهل في المعاصي ربما تنتهي به إلى الكفر والردة عن الإسلام.
أيضاً يتخيل هذا الإنسان ويجرب تجربة هو يقول: ماذا سيحصل لو أمكث في النار خمسة آلاف سنة أو عشرة آلاف سنة أو مليون سنة، وبعد ذلك أخرج منها؟ نقول له: ضع يدك في هذه النار من نار الدنيا ثم انظر كم تتحمل هذه النار التي هي جزء واحد من سبعين جزءاً من نار جهنم، كما قال عليه الصلاة والسلام:(إن ناركم هذه الذي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم)، فهذا من أتفه الناس عقلاً الذي يتهاون بالمعاصي، ويغتر بربه الكريم، ويظن أن المسألة يسيرة وهينة، وسبق أن تلونا الحديث الذي فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(يؤتي بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في جهنم صبغة ثم يخرج منها ويقال له: يا ابن آدم! هل مر بك نعيم قط؟ هل رأيت خيراً قط؟ فيقول: لا والله يا رب! ما رأيت نعيماً قط، وما مر بي خير قط)، هذا بمجرد أن يغمس غمسة في جهنم فقط ينسى كل النعيم وقد كان أنعم إنسان في الدنيا.
إذاً: فهذه بعض النصوص التي ترد على المرجئة الذين يقولون: إن المعاصي لا تضر أهل الإيمان ولا تؤثر في إيمانهم، وعلى الخوارج الذين يقولون: هذه المعاصي تكفر فاعلها وتخرجه من الملة بالكلية.
وأهل الحق وسط بين إفراط هؤلاء وتفريط أولئك فهم يقولون: إن المسلم العاصي يبقى في دائرة الإسلام وفي دائرة التوحيد، لكن إيمانه ينقص بهذه المعاصي، ويستوجب عقوبة الله تبارك وتعالى، لكنه لا يخلد في جهنم، ولا يستوي مع من كفر بالله وأشرك به تبارك وتعالى.