إن الجهل مذموم كله، والجهل جامع للرذائل كلها، ولا فضائل له، فلا يعني إعذار الجاهل بالجهل الرضا به، وإنما هذا لفت نظر بالنسبة للدعاة أو الذين لهم دور في مواجهة هذا الجهل، وأن لا يشتغلوا بغيره عن محاربته، فنحن لا نذكر العذر بالجهل من أجل أن نطمئن الناس لنقع فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:(إذاً يتكلوا)، وذلك لقصور عقول الناس عن فهم هذه الأشياء.
ولا ينبغي أن يشاع الكلام في قضية العذر بالجهل كثيراً إلا على مستوى طلبة العلم، لئلا نقع في ذلك المحذور، ويسيء الناس فهم هذا الكلام ولا تطيقه عقولهم فيتمادون ويتمادون في التفريط في حق الله وفي جنب الله تبارك وتعالى.
ولا نريد أن نقول: الغاية تبرر الوسيلة، فهل الإنسان الذي يكفر الناس بالمعصية تشفع له نيته أنه يريد أن يخوف الناس من المعاصي فيقول لهم: من فعل المعصية كفر؟! هل يشفع له ذلك؟! كلا، بل عليه أن يقول: المعصية حرام، وعقوبتها كذا وكذا.
فإذا وجد من يكفر بالمعصية فإنك تضطر إلى أن ترد وتقول: ليس فاعلها بكافر لأدلة كذا وكذا، وإن كان هذا يخدش وينقص من إيمانه، لكن لا يحبطه بالكلية.
فرد الأمور إلى نصابها ووزنها بموازينها من أدلة القرآن والسنة بقصد الاعتدال، والقصد وإحقاق الحق ووضع الأمور في نصابها هو المسلك الذي ينبغي أن يسلك.
فخوفنا من الناس هو أن يسيئوا فهم قضية الجهل، وتماديهم في التفريط ينبغي أن يضطرنا إلى الكلام في توضيح هذه الأمور، ووضع الأمور في نصابها، خاصة أن قضية الجرأة على تكفير الناس فيما هم معذورون به يترتب عليه أمور لمسناها في الواقع، وتداعيات نراها أعياناً في كثير من الأماكن، كما قال بعض السلف:(يوشك أن يظهر الجهل ويقل العلم، حتى إن الرجل ليرفع سيفه على أمه من الجهل)، فهذا نلمسه في واقع نعيشه، وليس مجرد ترف فكري، فالواقع يثبت أن الكثير ممن ينزلقون في قضية التكفير وينحرفون في ذلك ينعكس هذا في سلوك عملي لهم تجاه بعض المسلمين، ولا نريد أن نكثر ذكر الأمثلة، ويكفي في ذلك أن هناك من قتل أباه وانتهك أعراض الناس بتأويلات فاسدة بسبب قضية التكفير وما آل إليها.