أما النوع الخامس وهو أعظمها وأصرحها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه، ومشاقة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم: ومضاهاة المحاكم الشرعية إعداداً وإمداداً وإرصاداً وتأصيلاً وتفريعاً وتشكيلاً وتنويعاً وحكماً وإلزاماً، ومراجع ومستندات، فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع ومستندات مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فلهذه المحاكم مراجع هي القانون الملفق من شرائع شتى، وقوانين كثيرة كالقانون الفرنسي، والقانون الأمريكي، والقانون البريطاني, وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك، فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة مفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حاكمها بينهم بما يخالف حكم الكتاب والسنة من أحكام ذلك القانون، وتلزمهم به وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم، يقول الشيخ محمد بن إبراهيم: فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله بعد هذه المناقضة.
ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: فيا معشر العقلاء! ويا جماعات الأذكياء، وأولي النهى! كيف ترضون أن تجري عليكم أحكام أمثالكم وأفكار أشباهكم، أو من هم دونكم ممن يجوز عليهم الخطأ، بل خطؤهم أكثر من صوابهم بكثير، بل لا صواب في حكمهم إلا ما هو مستمد من حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم نصاً أو استنباطاً؟!! فتدعونهم يحكمون في أنفسكم ودمائكم وأبشاركم وأعراضكم، وفي أهاليكم من أزواجكم وذراريكم، وفي أموالكم وسائر حقوقكم، ويتركون ويرفضون أن يحكموا فيكم بحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا يتطرق إليه الخطأ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلقه تنزيل من حكيم حميد.
وخضوع الناس ورضوخهم لحكم من خلقهم تعالى ليعبدوه، فكما لا يسجد الخلق إلا لله، ولا يعبدون إلا إياه، ولا يعبدون المخلوق، فكذلك يجب ألا يرضخوا ولا يخضعوا أو ينقادوا إلا لحكم الحكيم العليم الحميد الرءوف الرحيم، دون حكم المخلوق الظلوم الجهول الذي أهلكته الشكوك والشهوات والشبهات، واستولت على قلوبهم الغفلة والقسوة والظلمات، فيجب على العقلاء أن يربئوا بنفوسهم عنه؛ لما فيه من الاستعباد لهم، والتحكم فيهم بالأهواء والأغراض والأغلاط والأخطاء فضلاً عن كونه كفراً بنص قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:٤٤].
ومن تتبع قصة تطبيق القوانين الوضعية في بلادنا الإسلامية وجد المآسي والفضائح والخيانات المخزية، ففي الحقيقة لم يحصل دخول القوانين الوضعية نتيجة أن الأمة الإسلامية حريصة على ما يسمونه بالتقدم والرقي، وأخذ هذه القوانين العصرية، لا، بل حصل ذلك بالقهر والخيانة، كشأن كثير من القضايا التي تسربت إلى بلاد المسلمين؛ بسبب هذه الخيانة وهذا القهر والاستعباد الاستعماري الجديد.