ألا يعتقد كون حكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلاً لحكم الله ورسوله، فضلاً عن أن يعتقد أنه أحسن منه، لكنه اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو غير جاحد والفرق بين هذا النوع والنوع الثاني: أن هذا يقول: أنا أقر بحكم الله، لكن حكم غير الله أحسن من حكم الله، ولا هو من النوع الثالث الذي يقول: أقر بحكم الله، ولا أقول: إن حكم غير الله أحسن من حكم الله، لكن أقول: هو مثله.
أما هذا النوع فليس من هذا ولا ذاك، لكنه يعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ويجيز الحكم بغير ما أنزل الله تبارك وتعالى، فهذا كالذي قبله يصدق عليه باعتقاده جواز ما علم بالنصوص الصحيحة الصريحة القاطعة تحريمه.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن ظن أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن من الأولياء من يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام، فهذا كافر يجب قتله بعد استتابته، وهذا للأسف الشديد موجود عند بعض الصوفية، إذ حينما تناقشه بالأدلة وتبين له، يقول: أنتم لكم طريقة ونحن لنا طريقة، أنتم تأخذون من العلم والأدلة، ونحن نأخذ مباشرة عن الحي الذي لا يموت، وربما ادعى بعضهم أنه يطلع على اللوح المحفوظ، وفي الحقيقة ليست لهم طريقة غير طريقة المسلمين وإنما هي:{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}[الكافرون:٦]؛ لأن من جوز أن هناك طريقاً إلى الله بعد بعثة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وطريقاً إلى حكم الله غير رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلا حظَّ له في دين الإسلام، فمن جوز أن يأتي بتشريع جديد بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم مخالف لشريعته يجوز التعبد به، فهذا لا حظَّ له في دين الإسلام، ومن جوز ذلك مدعياً أنه في حاله هذه مثل الخضر مع موسى، فهذا أيضاً لا يقبل منه؛ لأن شريعة موسى لم تكن شريعة عامة، ولم تكن للناس كافة، والخضر بعث في نفس الوقت في طائفة آخرين على القول الأرجح أنه كان نبياً، قال صلى الله عليه وسلم:(كان النبي يبعث في قومه خاصة، وبعثت للناس كافة)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ففي هذه الحالة كان يسع الخضر الخروج على شريعة موسى؛ لأن هذا له شريعة، وهذا له شريعة، والدين واحد: لا إله إلا الله، أما بعد بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكل الطرق إلى الجنة مسدودة إلا الطريق الذي على رأسه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يجوز لمسلم أن يرتاب في هذه الحقيقة قيد شعرة، ولا يجوز أن تتزلزل أو تتزحزح هذه العقيدة أو تهتز بأدنى شيء من الشك أو الريب، فكما أنك تقول: لا إله إلا الله، وتعتقد بطلان أي شرع غير شرع الله تبارك وتعالى، فموسى لم تكن دعوته عامة، ولم يكن يجب على الخضر اتباع موسى، بل قال الخضر لموسى:(إني على علم من الله علمنيه لا تعلمه، وأنت على علم من عند الله علمكه الله لا أعلمه)، فمصدر العلم هو الله، والشرائع كانت تتعدد في ذلك الزمان.
يقول صاحب الطحاوية: إن اعتقد الحاكم أن الحكم بغير ما أنزل الله غير واجب، وأنه مخير فيه، أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله، فهذا كفر أكبر.