للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم الديمقراطية]

هذا فيما يتعلق بالنسك في باب الحكم، فقد تختلط بعض الطرق الحكمية الكفرية ببعض الطرق أو الصور الشرعية في حس بعض الجهلة والعوام، فيتحمسون لها ويدعون إليها؛ لا على أنها دعوة إلى تحكيم غير شريعة الله بل باعتبار أنها مما جاء بنظيره الإسلام، وقبل أن نتكلم عن موضوع الديمقراطية: هل ينكر أحد أنه يوجد خطباء مشهورون ومرموقون، ويشهد لهم بحب الإسلام، والبذل والتضحية في سبيله، ومع هذا يتكلمون على فضائل الديمقراطية ويطالبون بها؟! هذا واقع؛ فنحن نسمع ونرى خطباء من الناس الصالحين وأهل الخير -ولا يظن بهم إلا الخير- ومع ذلك -وللأسف ولوجود القصور في فهم حقائق التوحيد- يذكرون كلمة الديمقراطية على أنها الأمل العظيم للأمم، ويقولون: أين الديقراطية؟ هذه ليست ديمقراطية، نحن نطالب بالديمقراطية.

فهذا يقع من خواص المسلمين نتيجة التباس الحق عليهم، فما بالك بالعوام؟! فصارت هذه الديمقراطية فتنة العصر، وهي مقياس المثالية في الحكم، ويتحمس في المطالبة بها كثير من المخلصين، وهي في الحقيقة لا تعدو أن تكون طريقة من طرق الحكم الكفرية لما تقوم عليه من جعل السيادة العليا المطلقة للأمة، وبدل ما كان يعبد إله واحد تعبد الأمة، فالشعب صار هو الإله، والشعب هو الذي يشرع، فليس إلهاً واحداً ولا اثنين، بل ملايين الناس يشرعون وتؤخذ أصواتهم، فإذا اتفقوا على أن الخمر حلال فهي حلال؛ لأن الشعب أراد ذلك، حتى قال أحد الهالكين عليه من الله ما يستحقه: نعم للدستور ولا للشريعة!! قالها بصراحة، فالديمقراطية حكم الشعب نفسه بنفسه، فالشعب هو المشرع، وهو الذي يحلل وهو الذي يحرم، والشعب له السيادة العليا، والقانون هو التعبير عن إرادة هذه الشعوب الحرة، فالأمة في ظل النظام الديمقراطي هي التي تحل ما تشاء وتحرم ما تشاء، ففي الحقيقة صارت الأمة بهذا المعنى صنماً عصرياً لا تقل خطورته عن خطورة ما مضى من الأصنام، ولا تقل عبادته شركاً عن عبادة اللات والعزى ومناة وهبل وغيرها، وما يقال عن الديمقراطية يقال عن الاشتراكية وغيرها من الطرق الحكمية الكفرية المعاصرة، فما من شك أننا نفرق في حسنا بين من يدعو إلى الطرق ويتحمس لها ممن ليس بمسلم، أو من لم يعرف عنه التزامه المجمل بتطبيق الشريعة، وبين أن يدعو لها بعض الإسلاميين الذين عرفوا بالتزامهم المجمل بالإسلام.

ولو أننا طبقنا معيار كاتب كتاب (حد الإسلام) في استيفاء حقوق النسك والولاية والحكم، ولا نحكم على إنسان بالإسلام إلا بعد استيفاء هذه الحقوق، وطبقناها بغير تحفظ لحكمنا بكفر الجميع على الفور لتلبسهم بقبول غير منهج الله تبارك وتعالى، والدعوة إلى جعل الحكم للأمة بدلاً من الإقرار به لله، وكل ذلك كفر صريح مناقض لما سماه هو حد الإسلام.

فإن قال من يأخذ بهذا الكلام: إن هؤلاء لا يعلمون أن الديمقراطية دعوة إلى تحكيم غير شريعة الله؟ فالجواب أن نقول: ومثلهم أيضاً هؤلاء الذين يستغيثون بأصحاب القبور لا يعلمون أن ذلك توجيه للعبادة إلى غير الله، فإن كان الأولون يفهمون أن الديمقراطية هي الشورى، فإن الآخرين تلتبس عليهم، ويقولون: الإسلام دين الديمقراطية، ويأتون بالأدلة على الشورى، فقد اختلطت عليهم المفاهيم الأساسية، فهؤلاء الآخرين من القبوريين ونحوهم يفهمون أن الاستغاثة هي من جنس التعظيم المشروع للصالحين من عباد الله الذين أعطاهم الله ذلك بقوله: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الزمر:٣٤]، فيسيئ فهم الآية، ويظن أن الصالحين لهم ما يشاءون عند ربهم، وأن منهم هؤلاء المقبورين.

فما ذكر عن الديمقراطية والاشتراكية مجرد أمثلة لما يقع أو لما يمكن أن يقع الناس فيه من جهل في باب الحكم، ويقاس عليه في ذلك غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>