للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تطور فكر الاستعلاء في منهج سيد قطب]

يقول الدكتور محمد سليم: ومن هنا جاءت مسألة الاستعلاء التي عرج عليها الدكتور جعفر بسرعة شديدة لا تتفق أهميتها ولا تتفق آثارها في عقليات الشباب المعاصرين الذين نراهم كل يوم في المساجد والمدارس والجامعات، والذين نصفهم بأنهم يتخذون من الاستعلاء شعوراً داخلياً بالقوة الذاتية، والقدرة على تغيير المجتمع الكافر إلى مجتمع صالح، ولا يتخذون -يعني هؤلاء الشباب- من الاستعلاء شعوراً بأن أسلحة الإيمان أمضى وأقوى وأتقى من أسلحة الكفر، وإنما يتخذون من الاستعلاء طريقاً إلى نوع من الكبر حتى على آبائهم وأمهاتهم ومعلميهم ومشايخهم.

والحقيقة هي أن هذا نلمسه في كثير من الناس الذين نزعوا إلى اتجاهات التكفير، حيث ينتبهون جيداً لقضية الاستعلاء، لكنهم ينحرفون بعيداً إلى أن يصل الاستعلاء إلى حد الكبر والغرور والتعالي على خلق الله، ولا يراعون لأحد حقاً في ذلك، بل قد نسمع أن بعضهم وصل إلى قتل أبيه -مثلاً- أو ضربه، كما تنبأ بذلك بعض السلف فقال: يقل العلم، ويفشو الجهل، حتى ليرفع الرجل سيفه على أمه من الجهل.

فقضية الاستعلاء تجاوزت عند كثير من هؤلاء، والاستعلاء بمعانيه الصحيحة هو الاستعلاء على مناهج الكفر من باب أن الإسلام يعلو ولا يعلى، لكن الاستعلاء هنا أدى إلى نوع من التكبر والاغترار في التعامل مع الآخرين.

يقول: وإنما يتخذون من الاستعلاء طريقاً إلى نوع من الكبر حتى على آبائهم وأمهاتهم ومعلميهم ومشايخهم؛ لأن هؤلاء الآباء والأمهات والمعلمين والمشايخ لا يتفقون معهم في بعض نظراتهم أو كلها، ولا يتفقون معهم في المنهج الذي يتخذونه لإعادة الإسلام إلى الأرض، وهذه السنة في التفكير وهذه الطريقة في التصور تحتاج من الدعاة والعلماء والمفكرين والمربيين إلى مزيد تبصر، وإلى تعمق في معالجتها.

فهذا منه تعريج على قضية الاستعلاء، وكيف انحرفوا بها في الواقع العملي.

والشيء المؤسف هو أننا نلاحظ في قضية الاستعلاء هذه القسوة والغلظة، فقد رأينا من بعض اتجاهات التكفير عند التعامل مع غير المسلمين البشاشة والمسامحة والرقة واللطف، وكان بعضهم معنا في الكلية يتعامل مع الفتيات المتبرجات، ويبتسم لزملائه في الكلية ممن لا دين لهم أصلاً، ثم تكون الشدة والغلظة والصلابة مع إخوانه الذين يعملون في نفس الحقل معه في الدعوة لكن يخالفونه في فكره، فأخوه الذي يعمل معه هو أطوع لله من المتبرجة أو من الشاب المنحرف، فإن كنت تحب لله وتبغض لله، وتريد أن تنصف فكيف تعامل من يوحد الله، ومن هو على علم أكثر بالتوحيد، ومن يدعو إلى الله، ويعمر المساجد بصلاة الجماعة وغير ذلك من الأعمال الصالحة كيف تعامله بهذه الغلظة وهذه الصلابة ليكون هذا خطه منك؟! فهذا فيه شبه من الخوارج، بل هو وقع منه ما وقع من الخوارج، وقد رأينا في بعض الأوقات أن الأمر وصل في جماعة من الجماعات المنحرفة التي تسمى بجماعة المسلمين أتباع شكري مصطفى رأينا قسوة وغلظة وصلابة لم نجد لها نظير إلا عند الخوارج أسلافهم الأقدمين، ووجدنا أن محاولات التصفية الجسدية كثيرة جداً، وقد حصلت محاولات القتل بالنسبة لكثير من الذين كانوا معهم خاصة وخرجوا عن فكرهم واهتدوا إلى منهج أهل السنة والجماعة، محاولات القتل والتصفية الجسدية والإرهاب الشديد لهؤلاء لمجرد أنهم خرجوا عن جماعتهم؛ لأن عندهم أن الخروج عن جماعتهم يعني الكفر والردة عن الإسلام.

والحقيقة أن الذين وجدوا في أنفسهم بعض الشيء من هذه السلسلة من الدراسات لابد من أن يراجعوا أنفسهم؛ فقضية الإسلام والحفاظ على الحقيقة في صورتها الناصعة أعلى وأغلى وأهم بكثير من بعض العواطف؛ إذ القضية قضية أمانة، ثم قضية الانحراف والتكفير لا تنحصر فقط في داخل القفص الصدري وداخل القلب، لكنها تنعكس في السلوك مع الآخرين، انعكست في استحلال الحرمات، فكثير من الناس بسبب الحكم بأنهم كفار سرقوا منهم بناتهم، وخطفوا زوجاتهم وزوجوهن بآخرين، فهل هذا يرضي الله؟ وهذا يمكن أن يتكرر بين فترة وأخرى، فقضية التكفير ليست قضية نظرية، وليست ضرباً من الترف الفكري، لكن إذا لم تضبط فإنه يترتب عليها مصائب ومحن ذقنا جميعاً ويلاتها، ولعل أبرز مثال على ذلك قتل الشيخ الذهبي رحمه الله، فمهما حصل منم الخلاف معه، أو من المآخذ عليه فهل يصير بذلك مرتداً وكافراً بحيث يستحل دمه بتلك الطريقة التي حصلت إن كانوا هم فعلاً قد قتلوه؟! فالحقيقة أن هذا الأمر لا يقف عند حد الخلاف النظري أو الطبق الفكري، لكنه ينعكس على الواقع في التعامل مع الناس، حيث نجدهم في ينكرون على من يذهب لصلاة الجماعة، وقد رأيت أحد الإخوة في المسجد يشكو شكوى مريرة من بعض من يعمل معهم أنهم يمنعونه من صلاة الجماعة، وكأنه أتى بمنكر من الفعل لأنه يصلي في المساجد! فأين عقول هؤلاء؟! أتقوم دعوتكم على تخريب بيوت الله؟! فماذا يبقى من الإسلام إذا هجرنا المساجد وخربناها؟! فالحقيقة أن الأمر ليس بالهين؛ لأن له ما بعده من استحلال الأعراض والدماء والأموال، وتخريب بيوت الله عز وجل، وفوق ذلك كله إكفار المسلمين والحكم عليهم بالخروج من هذه الملة.

<<  <  ج: ص:  >  >>