بالنسبة لموضوع المساجد فإن فرقة التكفير والهجرة كما تسمى -وكانوا هم يسمون أنفسهم جماعة المسلمين- لها نظرة شاذة فيما يتعلق بموضوع المساجد نتجت من الشذوذ في قضية معرفة المسلم من الكافر، كما أشرنا من قبل إلى قوله تعالى:{وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا}[الأعراف:٥٨].
يقول الأستاذ رجب مذكور في كتاب له يسمى:(التكفير والهجرة وجهاً لوجه)، في صفحة مائة وثلاث وتسعين: وتقوم وجهة نظرهم على أساس أن كل المساجد القائمة في الأرض منذ عدة قرون مضت وحتى الآن مساجد ضرار.
أي أن ذلك قد يكون من الدولة الأموية بعد الخلافة الراشدة، وهذا من جرأة هؤلاء الناس على الله عز وجل وعلى دين الله، وليسوا وحدهم في ذلك، بل كثيراً ما نسمع من كثير يذكرون أن هذه الأمة ما كان فيها خير، وبمجرد ما انقضت القرون الخيرية انتهى كل شيء وانهار، حتى ظهرت جماعاتهم هذه التي ظهرت قريباً وأعادت الإسلام من جديد، وكأن كل هذا التاريخ مبتور، والأمة كانت تعمى في ضلال، ولو انتقينا أسوأ واحد من خلفاء الدولة الأموية نسبياً لوجدناه بالنسبة لحكامنا اليوم كالخلفاء الراشدين؛ لأنهم كانوا يحكمون بما أنزل الله، وكانوا يقومون الليل، ويقيمون في الناس شرع الله تبارك وتعالى، مع أنه قد يكون هناك سفك لبعض الدماء في أي نوع من الأشياء التي غايتها أن تكون معاصي أو كبائر، لكن لم يمس انحرافهم أصل دين الإسلام.
فهؤلاء بالنسبة لحكامنا اليوم عباد متبتلين، وأئمة هدى على أصل الإسلام، كانوا يقيمون علم الجهاد، ويفتحون البلاد في سبيل الله إلى عهد الدولة العثمانية التي تغلغلت في أحشاء سويسرا وأخذت أجزاء من فرنسا، فهؤلاء كانوا يجاهدون في سبيل الله، وكانوا يقيمون حكم الله تبارك وتعالى، فهذه النظرة ليست صائبة، أعني اعتبار أن هذه أمة لا خير فيها، وبمجرد أن انتهت الخلافة الراشدة انتهى معها كل شيء، فهذا من الضلال المبين.
يقول الأستاذ رجب مذكور: تقوم وجهة نظرهم على أساس أن كل المساجد القائمة في الأرض منذ عدة قرون مضت وحتى الآن مساجد ضرار، باستثناء أربعة مساجد فقط: المسجد الحرام بمكة المكرمة، والمسجد الأقصى بيت المقدس، ومسجدي قباء والنبوي بالمدينة المنورة، وبناءً على وجهة نظرهم هذه فإنهم يحكمون بتحريم الصلاة في كل المساجد على الأرجح، وما زال يوجد الآن من أهل البدع والضلال في قضية التكفير من يكفرون من يصلي في معابد المشركين التي هي المساجد في زعمهم.
يكفرونك لأن تصلي في المساجد، وكأنك تذهب إلى سينما أو خمارة أو نحوهما من أماكن الفسق والفجور، ولست ذاهباً إلى بيت من بيوت الله التي يذكر فيها اسم الله عز وجل، وبناء على وجهة نظرهم هذه فإنهم يحكمون بتحريم الصلاة في كل المساجد على الأرجح، وقالوا: إنه لا يجوز من حيث التسمية ابتداءً أن نسمي أي مسجد مسجداً لله، إلا بعد أن نتحرى فيه شروطاً ثلاثة هي: