ذهبت لزيارة إخوة في الله في قرية مجاورة لي، وعندما كان وقت صلاة المغرب قلت لهم: هيا بنا نصلي في المسجد فامتنعوا، وعندما سألتهم عن السبب أجابوا بأن إمام المسجد مبتدع وصوفي ولا تجوز الصلاة وراءه، وأقاموا الصلاة في منزل أحدهم، وذهبت وصليت في المسجد، فما حكم الدين في ذلك؟
الجواب
قضية الصلاة خلف الفاسق أو المبتدع بدعة لا تكفره، ولا تخرجه من الملة، فيها تفصيل وذكرناها مراراً، وقاعدتها: أنك إذا كنت قادراً على تغيير الإمام المبتدع أو المتلبس بالمعصية، فواجب عليك أن تغيره وتزيله وتعين العدل مكانه، وإن كنت عاجزاً عن ذلك فإما أن تصلي في مسجد آخر إمامه رجل عدل منتظم بالشرع، وإن لم يوجد مسجد آخر ولا تقدر على تغييره إلا بإحداث فتنة في أهل المسجد، ففي هذه الحالة تصلي وراءه، فإذا صليت في بيتك فأنت المبتدع، والإمام أحمد كان يخرج ويصلي خلف الجهمية الذين كانوا يقولون بخلق القرآن، ثم يعيد في بيته، وأنا ما أقول: تعيد، ولكن الآن ليس هناك قوة اجتماعية تقهره، فأصبح من يتخلف عن صلاة الجماعة للأسف يتخلف، لكن المقصود أن المساجد كثيرة، فتحرى أعدل الأئمة وتصلي خلفه.
أما كلمة مبتدع وصوفي كجرح مجمل هكذا، لا بد أن يفصل الجرح، وإلا فبعض الناس كثيراً ما يطبقون كلام العلماء بطريقة غير صحيحة، فالصوفي صحيح اصطلاح مذموم، لكن لا بد أن تتبين ما المقصود من كلمة صوفي؟ كثير من الناس يريدون بكلمة صوفية الجانب الروحي أو الجانب العاطفي، والاتجاه الذي يهتم بالتربية لتزكية النفس بذكر الله، بأداء حقوق الخلق، باحترام المشايخ بكذا بكذا، فهذه المعاني هي معاني إسلامية، وهي من الحق، لكن بعض الناس يتجاوزن ويطلقون عليها وصف الصوفية، وبعض الناس يفهمون الصوفية بمفاهيم أخرى فيها كثير جداً من البدعة والضلالات، قد تصل في أقصاها إلى الكفر كوحدة الوجود والحلول وعبادة القبور، هذا كله يدخل تحت كلمة صوفية أيضاً، فالصحيح أننا ينبغي أن نحتجز ونمتنع عن استعمال هذه العبارات الموهمة، أخذاً من قوله تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا}[البقرة:١٠٤]، أمرهم باستعمال ألفاظ التي لا اشتباه فيها، لكن مع ذلك إذا كان هناك شخص يوصف بأنه صوفي، فما ينبغي الحكم عليه مثلاً بحكم الصوفي الكافر الخارج من الملة؛ بسبب عقيدته الصوفية، لكن الصوفي لا بد أن نسأله: ماذا تقصد بالصوفي؟ ما الذي يميز كون هذا صوفياً؟ هل لأنه يذكر الله كثيراً؟ إذاً: نحن كلنا صوفيون، لا بد أن تبحث عن معنى كلمة الصوفية، وماذا يقصد بصوفيته؟ فالجرح المجمل لا ينفع، كذلك ممكن تكون بدعة واحدة في الإمام تقدح في إسلامه إذا كانت بدعة مكفرة، وممكن تكون عشرات البدع في الإمام أو المؤذن لكن لا تقدح في إسلامه، فينبغي أن يكون الجرح مفسراً حتى يأتي الجواب الصحيح، وما دام ذلك الرجل لم يخرج من دائرة الإسلام ولم يوجد مساجد غير هذا المسجد، فمن صلى في بيته بعد سماعه الأذان فهو المبتدع.