شرع الأستاذ سالم البهنساوي في مناقشة قضية سيد قطب، واعتزال معابد الجاهلية.
يقول: غير أن الشهيد سيد قطب رحمه الله في تدبره لقول الله تعالى -وهذا تعبير جيد، أعني: عندما يقول: في تدبره ولا يقول: في تفسيره، فهو نوع من التدبر والتفكير قد يصيب وقد يخطئ، يقول في تدبره لقول الله تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[يونس:٨٧] يقول رحمه الله: وتلك هي التعبئة الروحية إلى جوار التعبئة النظامية، وهما ضروريتان للأفراد والجماعات، وبخاصة قبيل المعارك والمشقات، ونرى أن هذه التعبئة لا شيء يمنعها، فإن كان بنوا إسرائيل قد اضطهدوا ولم يستطيعوا ممارسة العبادة علانية في المجتمع فأمرهم الله بالصلاة في البيوت فلا يوجد ما يمنع المسلم اليوم من أن يفعل ذلك بالنسبة لصلاة النوافل؛ إذ من السنة أن تصلى في البيت، أما الفرائض فلا تصلى في البيوت في عصرنا إلا إذا كانت هناك فتنة، أو كانت المساجد في عصرنا مخصصة لنوع من العبادة التي كانت تمارس في معابد الجاهلية، مثل عبادة الأصنام والأوثان، وهذا لا وجود له بالمرة، ومثل هذه المقارنة بين المساجد في عصرنا ومعابد الجاهلية التي كانت قائمة في زمن نبي الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام يكون لها كلمة غير صحيحة، أو يكون لها عمل أو اعتبار إذا كان الرسل وأتباعهم قد شاركوا الجاهليين والوثنيين في عصرهم العبادة في هذه المعابد، ولكن المصادر والكتب السماوية حتى ما حرفوه منها تنفي وجود هذه المشاركة، فلم تكن هناك مشاركة في دور العبادة.
يعني أن بني إسرائيل لما أمرهم الله أن يتخذوا بيوتهم قبلة بسبب ضغط واضطهاد فرعون لهذه العصبة المؤمنة فهل معنى ذلك أنه كان بنوا إسرائيل في أماكن العبادة هذه يشتركون مع الفراعنة في العبادة، أم كان هناك انفصال؟ يقول: فالأصل العام الموحى به لجميع الرسل هو الوارد في قول الله لخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].
والذي يمكن أن يقال: هو أنه إذا ظهرت فتنة أدت إلى اضطهاد من يغشون المساجد، وتعقبهم في أنفسهم بالاعتقال والحبس، أو في أموالهم بالمصادرة وأعمالهم بالفصل فلا تثريب على الفئة المضطهدة أن تعتزل المساجد وتصلي في البيوت، لا تأسيساً على أن المساجد هي معابد الجاهلية، بل استناداً إلى الرخص المخولة للمسلم عند الضرورة والإكراه.
يعني أن من يأتي الأمور على اضطرار ليس كمن يأتيها على اختيار، فهو قلبه معلق بالمساجد، كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله بقوله:(ورجل قلبه معلق بالمساجد)، فقلبه معلق بالمساجد، يود أن يخرج إليها، لكن حصل ظرف من الاضطهاد والتنكيل بالشباب أو الإسلاميين، كما حصل في بعض الأوقات، فقد كانت تأتي الشرطة وتأخذ من في المسجد إلى المعتقل بدون جريرة سوى أنهم يقولون: ربنا الله.
فمثل هذه الحالات إذا أراد إنسان أن يترخص بسببها في الصلاة في البيوت فإنه يعتزل المسجد لأجل هذه الرخصة فقط، والأفضل أن يأخذ بالعزيمة، لكن يباح له ذلك، لا من حيث إن المسجد هو معبد من معابد الجاهلية يستوي مع الكنيسة ويستوي مع معابد البوذيين والهنود والمشركين، كلا، وكيف يقال هذا؟! وكيف نستطيع أن نبتلع مثل هذا التعبير؟! كيف تكون المساجد معابد الجاهلية؟! وكيف تكون دعوة تؤسس على تخريب بيوت الله ثم نلتمس منها الهدى؟!