أنبه قبل قراءة كلامه أنه قد يكون هناك تحفظ على بعض العبارات ونحن نتلوها، وسوف ننبه عليها فيما بعد حينما نكمل الدراسة إن شاء الله.
يقول: وأهم مسألة استحوذت على الأستاذ سيد رحمه الله في بداية السجن وحتى لقي وجه ربه، تفسير معاني ومدلولات لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لقد كان يرى أن جهل المسلمين بمعاني الشهادتين هو سبب هذا الضياع والفساد الذي يلف العالم الإسلامي، كما كان يرى أن مهمة أنبياء الله الذين اختارهم الله وأرسلهم للعباد شرح معاني لا إله إلا الله، وذكر في الظلال أدلة كثيرة على ذلك من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولا شك أن هناك نقطة اتفاق بارزة جداً بين الاتجاه السلفي وبين اتجاه الأستاذ سيد قطب رحمه الله، هذه النقطة هي إبراز أهمية العقيدة، وإبراز أن تغيير العقيدة هو أصل التغيير في الحقيقة، يعني: بعض الناس قد يأخذ على من يهتمون بأمر العقيدة، وترسيخ هذه العقيدة في عقول الناس، أنهم يركزون على أن التغيير لا بد أن يكون بصورة معينة مثلاً، كالانقلابات أو نحو هذه الأشياء، فلا يرون التغيير إلا هذا، ولا يلتفتون إلى تغيير العقيدة، وتغيير مفاهيم الناس فيما يتعلق بالعقيدة الذي هو في حد ذاته تغيير لا ينكر أثره العظيم، بل هو أعظم من أي تغيير آخر، فتغيير العقيدة في حد ذاته إلى التصحيح والتقوية والترسيخ هو تغيير ميسور في كل الظروف، وفي كل الأحوال بخلاف غيره.
وكان يرى رحمه الله أن المجتمع يقوم على قاعدة العبودية لله وحده في أمره كله، هذه العبودية التي تمثلها وتكيفها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتتمثل هذه العبودية في التصور الاعتقادي، كما تتمثل في الشعائر التعبدية، كما تتمثل في الشرائع القانونية سواء، ومن الأدلة على شدة اهتمامه رحمه الله بالركن الأول من أركان الإسلام، قوله في طبيعة المنهج القرآني في كتاب المعالم، وفي مقدمة سورة الأنعام، يقول رحمه الله: ظل القرآن المكي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة عشر عاماً يتحدث فيها عن قضية واحدة لا تتغير، ولكن طريقة عرضها لا تكاد تتكرر، ذلك الأسلوب القرآني يدعها في كل عرض جديدة، حتى لكأنما يطرقها للمرة الأولى، لقد كان يعالج القضية الأولى والقضية الكبرى والقضية الأساسية في هذا الدين الجديد، قضية العقيدة ممثلة في قاعدتها الرئيسية الألوهية والعبودية وما بينهما من علاقة.
وقال رحمه الله: ومتى استقرت عقيدة لا إله إلا الله في أعماقها الغائرة البعيدة، استقر معها في نفس الوقت النظام الذي تتمثل فيه لا إله إلا الله.
كان رحمه الله يعلم أن هذه المسألة سوف تفجر قلوب الانقلابيين غيظاًَ وحقداً عليه، ولكنه مجدد مجاهد يواجه الناس بمشكلاتهم، ويضع الحلول لها، ولا يخشى إلا الله سبحانه وتعالى، وراجع نهاية كتابه: معالم في الطريق، فصل: هذا هو الطريق، هذه نهاية الكتاب، وكانت هي نهاية حياته رحمه الله.
وهي من أروع ما كتبه، من أروع التصوير لقصة أصحاب الأخدود.
وراجع نهاية كتابه: معالم في الطريق، فصل: هذا هو الطريق، لتراه كأنه يتحدث عن إعدامه على أيدي العسكريين من خلال حديثه عن أصحاب الأخدود.