[تعريف الإيمان والإسلام إذا اجتمعا]
قلنا: الإيمان لغة: التصديق، وشرعاً له حالتان: الأولى: إما أن يأتي مفرداً، فبالتالي يشمل كل أمور الدين، والحالة الثانية: أن يطلق الإيمان مقروناً بالإسلام، وحينئذ يفسر بالاعتقادات الباطنة كما في حديث جبريل وما في معناه، وكما في قول الله عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة:٢٥]، حيث اقترن الإيمان بالعمل الصالح، فدل على أن الإيمان هو الأمور الباطنة، وكما في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعاء الجنازة: (اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان)، وما الحكمة في التعبير عن الشخص الحي بالإسلام، والمتوفى بالإيمان؟ الحكمة أن الإسلام إذا كان مجرد الأعمال الظاهرة كالصلاة والصيام والحج والزكاة إلى آخره، فعند الوفاة وعند خروج الروح لا يوجد متسع لعمل البدن، وإنما يوجد متسع لأعمال القلب، وأن يموت على الإيمان الكامل، فالأعمال المتعلقة بالجوارح إنما يتمكن منها في الحياة، فأما عند الموت فلا يبقى غير قول القلب وعمله, لحديث أنس عند أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإسلام علانية، والإيمان في القلب).
فهنا اجتمعا في النطق فيفترقان في المعنى.
الحاصل: أنه إذا أفرد كل من الإسلام والإيمان بالذكر فلا فرق بينهما حينئذ، بل كل منهما على انفراده يشمل الدين كله، وإن فرق بين الاثنين كان الفرق بينهما بما في هذا الحديث: (الإسلام علانية والإيمان في القلب).
والمجموع مع الإحسان هو الدين، أي: أن الإسلام مع الإيمان مع الإحسان هو الدين، كما سمى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك كله ديناً فقال: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم).
وبهذا يحصل الجمع بين هذا الحديث وبين الأحاديث التي فيها تفسير الإيمان بالإسلام، والإسلام بالإيمان.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: وأما وجه الجمع بين هذه النصوص وبين حديث جبريل عليه السلام وسؤاله عن الإسلام والإيمان، وتفريق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، وإدخاله الأعمال في مسمى الإسلام دون الإيمان، فإنه يتضح بتقرير أصل، وهو: أن من الأسماء ما يكون شاملاً لمسميات متعددة عند إفراده وإطلاقه، فإذا قرن الاسم بغيره صار دالاً على بعض تلك المسميات، والاسم المقرون به دال على باقيها.
كالفقير مع المسكين، إذا أفرد أحدهما دخل فيه كل من هو محتاج، فإذا قرن أحدهما بالآخر دل أحد الاسمين على بعض أنواع ذوي الحاجات والآخر على باقيها، فهكذا اسم الإسلام والإيمان.
وقال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى: ما أكثر ما يغلط الناس في هذه المسألة، فأما الزهري فقال: الإسلام الكلمة، والإيمان العمل، واحتج بقوله تعالى: {قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:١٤]، وذهب غيره إلى أن الإسلام والإيمان شيء واحد، واحتج بقوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:٣٥ - ٣٦].
يقول الخطابي: والصحيح أن يقيد الكلام في هذا ولا يطلق، وذلك أن المسلم قد يكون مؤمناً في بعض الأحوال، ولا يكون مؤمناً في بعضها، والمؤمن مسلم في جميع الأحوال، فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً، يعني: كما فعل بعض السلف: نرسم دائرة كبيرة تمثل الإسلام، وفي داخلها دائرة أصغر منها هي دائرة الإيمان، فكل من كان في دائرة الإيمان فهو أيضاً داخل في دائرة الإسلام، لكن ليس كل من كان في دائرة الإسلام يكون في دائرة الإيمان، فمن خرج عن الإيمان بقي في دائرة الإسلام، وقد يخرج عن الإيمان بالمعاصي، ولا يخرج عن الإسلام إلا بالكفر، فالمعاصي تخرج من الإيمان إلى الإسلام، والأحاديث معروفة في ذلك، مثل: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)، نعم الإيمان موجود في قلبه، والتصديق بأن هذا الفعل حرام، لكن يغيب عنه حضور هذا الشعور، وتجنب هذا الذنب ساعة هذا الفعل، فيخرج الإيمان من قلبه ولا يبقى في قلبه، فإذا نزع وتاب دخل ثانية في الإسلام.
يقول: وإذا حملت الأمر على هذا استقام لك تأويل الآيات، واعتدل القول فيها، ولم يختلف شيء منها.