من الأمثلة المتعلقة بالتوحيد التي ذكر العلماء أن فاعلها أو صاحبها يعذر فيها بالجهل الجهل ببعض أسماء الله تبارك وتعالى وصفاته.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: لله أسماء وصفات لا يسع أحداً ردها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية ولا الفكر، فنثبت هذه الصفات، وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه فقال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:١١].
وقال ابن قتيبة: قد يغلط في بعض الصفات قوم من المسلمين فلا يكفرون بذلك.
وقال الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولهذا كان الصواب أن الجهل ببعض أسماء الله وصفاته لا يكون صاحبه كافراً إذا كان مسلماً بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يبلغه ما يوجب العلم بما جهله على وجه يقتضي كفره إذا لم يعلمه.
وقد استدل شيخ الإسلام على ذلك ببعض الاستدلالات، وقد يكون فيها بعض النظر، لكن أنموذج القضية التي ندرسها هو قصة الرجل الذي أوصى أولاده أن يحرقوه، فإنه يوضح هذه المسألة؛ لأن بعض العلماء قالوا: إنه كان يجهل صفة أن الله قادر على بعثه لو فعل به ما أوصى به.
لكن هذا المثال يشنع بعض الناس على من يستدل به، فنترك التفصيل في الكلام حول هذا الحديث، لكن نحن الآن على إقرار كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو ممن استدل به في هذا المقام، وهو أنه فهم من بعض الأحاديث أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت تجهل صفة من صفات الله عز وجل قبل أن يبلغها بذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك حين سألت النبي عليه الصلاة والسلام يوماً فقالت:(هل يعلم الله كل ما يكتمه الناس؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: نعم) قال شيخ الإسلام: وهذا يدل على أنها لم تكن تعلم ذلك، ولم تكن قبل معرفتها بأن الله عالم بكل شيء يكتمه الناس كافرة، وإن كان الإقرار بذلك بعد قيام الحجة من أصول الإيمان، وإنكار علمه بكل شيء كإنكار قدرته على كل شيء، هذا مع أنها كانت ممن يستحق اللوم على الذنب، ولهذا نَهَزَها النبي صلى الله عليه وسلم وقال:(أتخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟!)، وهذا الأصل مبسوط في غير هذا الموضع، فقد تبين أن هذا القول كفر، ولكن تكفير قائله لا يحكم به حتى يكون قد بلغه من العلم ما تقوم به عليه الحجة التي يكفر تاركها.
ومن أمثلة ذلك جهل بعض الصحابة رضي الله عنهم برؤية الله عز وجل يوم القيامة، ولذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فلم يكونوا يعلمون أنهم يرونه، وكثير من الناس لا يعلم ذلك؟ إما لأنه لم تبلغه الأحاديث، وإما لأنه ظن أنه كذب وغلط، فمثل هذا -أيضاً- لا تكفير به.