للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بروزه في عالم السياسة وانقلاب رجال الثورة عليه]

عاد من الولايات المتحدة عام ألف وتسعمائة وواحد وخمسين، كان عمره حينها خمسة وأربعين سنة، ليخوض معارك سياسة ضد طغيان فاروق، وفساد الأحزاب، وهيمنة المستعمر الإنجليزي، واستقطبت هذه الكتابات فيمن استقطبت ضباط انقلاب ثلاثة وعشرين يوليو فأعجبوا بها، وتعرفوا على كاتبها، وقامت بينهم وبينه علاقات، وتم اختياره بعد نجاح الانقلاب مستشاراً لمجلس قيادة الثورة.

يقول عادل حمودة وهو يكتب عن بعض الأشياء: إن سيد قطب كان له مكتب في مبنى مجلس قيادة الثورة، وإنه كان يقيم هناك إقامة شبه دائمة؛ حيث أوكلت إليه هو وسعيد العريان مهمة تغيير مناهج التعليم، هذا في بداية الانقلاب، فهذه مهمة تربوية لا سياسية، كما أن تكليفه بها كان يعكس طبيعة نظرة رجال يوليو له، وهي نظرة كانت مناسبة لخبرته وتخصصه في مجال التعليم، ثم إنها كانت فرصته لتنفيذ أفكار الإصلاح التي رفضها من قبل وزراء المعارف الذين خدم معهم في العصر الملكي، وعلى رأسهم الدكتور طه حسين، في ذلك الوقت عرفه كمال الدين حسين عن قرب، ورشحه ليتولى منصب وزير التربية والتعليم، المنصب الذي تولاه هو بنفسه، وفي ذلك الوقت كانت كتاباته ومؤلفاته توزع على المدارس التابعة للوزارة بأمر كمال الدين حسين.

كما أن أناشيده الوطنية كانت تدرس للتلاميذ في دروس المطالعة، ولما تغير في وقت من الأوقات موقفهم من سيد قطب رحمه الله، بذلوا كل وسعهم في أن يجمعوا مؤلفاته ويحرفونها، وفي وقت آخر كان يأتي قرار من السلطة العليا بجمع جميع مؤلفاته، وكانت هناك محاضر رسمية تأمر بنزع صفحة من كتاب القراءة والنصوص، كان سيد قطب له فيها نشيد حماسي وطني عن مصر، ومع ذلك لم يشفع له ذلك أنا أذكر لما كنت في السنة السادسة الابتدائية حينما أتى المفتشون وساد جو من الصمت الغامض في المدرسة، وكانوا يدخلون المدرسة فصلاً فصلاً، ويأمروننا أن نفتح صفحة كذا، ونمزق هذه الصفحة، وبالفعل كان يتم هذا في جميع مدارس الوزارة، حتى ينزعوا اسم سيد قطب ولا يبقى له ذكر في هذه المناهج التي قام على إرسائها.

حتى عبد الحكيم عامر في بعض الرسائل وفي بعض المواقف كان ينتقد ويقول: أيريد سيد قطب الذي كانت توزع كتبه أن يصنع من نفسه نبياً ينزل عليه الوحي؟ ظلت مؤلفات وأناشيد سيد قطب في المدارس الحكومية حتى بعد القبض عليه سنة أربعة وخمسين، ولم يبدأ التخلص منها إلا بعد عشر سنوات، بعد أحداث خمسة وستين، فكان أن جمعت مؤلفاته من المدارس، ونزعت صفحات الأناشيد، وتشكلت لجان خاصة للإشراف على تنفيذ هذه القرارات السامية، وقع أفرادها على محاضر رسمية رفعت إلى جهات الاختصاص العليا، كما أن دار المعارف التي كانت تنشر كتبه تولت بنفسها جمع ما في مخازنها ومكتباتها من نسخ وأحرقتها، وكان تصرفها شاذاً وغريباً بالقياس إلى تصرف جهاز الأمن الذي صادر الكتب التي كانت في بيوت المتهمين، وسلمها إلى دار الكتب التي لم تحرقها، وإن ألقتها في مخازنها الرطبة، بعد أن حولتها إلى عهدة توارثها عدد كبير من صغار الموظفين.

المقصود: أن هذه أيضاً تعكس ما كان له من مكانة في المجتمع قبل التحول الكبير الذي حصل فيما بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>