هذه التسمية التي أطلقها الكاتب على أصل الدين موضع نظر، بل هي غير صحيحة أصلاً، والسبب في ذلك أن الحد في الاصطلاح هو التعريف، فلابد أن يكون الحد مطابقاً للمحدود، أما أن يعرف الشيء بذكر جزء من أجزائه، أو ركن من أركانه، فذلك غير معهود في باب التعريفات، والكاتب استخدم هذا التعبير -حد الإسلام- لبيان الحد الأدنى من الدين الذي يثبت به عقد الإسلام، والذي يؤدي تخلفه إلى تخلف صفة الإسلام أصلاً، ولا يثبت للإنسان الإسلام، ولا يعرف عند أهل العلم استخدام مثل ذلك في الدلالة على هذا المعنى.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: والنبي صلى الله عليه وسلم سطر الإسلام والإيمان بما أجاب به، كما يجاب عن المحدود بالحد، إذا قيل: ما كذا؟ قيل: كذا وكذا، فسئل مثلاً:(ما الإسلام؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، ما الإيمان؟ ما الإحسان؟ سئل مثلاً:(ما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره) وقال أيضاً: (الكبر بطر الحق وغمط الناس)، ففي التعريفات يبين المعرف بذكر حقيقته لا بذكر حدوده الدنيا.
يعني: ذكرك كل حقيقة الشيء الذي تريد أن تعرفه، ولا تقتصر على ذكر الحد الأدنى منه.
عند ذكر كلمة (الحد) فمعنى الحد هو التعريف، كما تدرس في أي علم من العلوم أن تعريف الشيء الفلاني كذا، فالحد يكون جامعاً لكل أركان وأطراف وفروع ما يدخل تحت هذا المصطلح، مانعاً غيره من الدخول فيه، فلا بد أن يكون التعريف جامعاً مانعاً.
أما أن يعرف الشيء ويكون تعريف الشيء وتحديده بذكر جزء من أجزائه أو ركن من أركانه، فذلك غير معهود في باب التعريفات، فالكاتب هنا استعمل تعبير (حد الإسلام) ليدل على الحد الأدنى من الإسلام الذي يثبت به عقد الإسلام، والذي إذا تخلف تخلف الدين كله من أساسه.
ففي باب التعريفات يبين المعرف بذكر حقيقته لا بذكر حده الأدنى، أو حدوده الدنيا، ولا بذكر واحد من أركانه.
نعم، ربما يجاب عن الشيء بذكر أحد أركانه، لكن ليس في مقام التعريف والتحديد، بل في مقام التأكيد على أهمية هذا الركن وتعظيم أمره، مثال ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام:(الحج عرفة)، فهل معنى ذلك أن الركن الوحيد في الحج هو الوقوف بعرفة أم أن هناك أركاناً أخرى للحج لا يصح بدونها؟ فهو هنا يقول:(الحج عرفة)، لبيان أهمية ركنية الوقوف بعرفات في الحج، لكن ليس كل الحج هو عرفة، فحينما نريد أن نضع تعريفاً فلا بد أن نستوفي كل أركان المعرف، وأما في مثل هذا الجواب فالمقصود تعظيم أمر هذا الشيء المذكور، والتنويه بأمره، وبيان أهميته.
وأيضاً: هذا التعبير للدلالة على هذا المعنى لم يسبق إليه الكاتب-والله أعلم- ولم نجده في كتب أهل السنة والجماعة في شتى العصور ليدل بحد الإسلام على هذا المعنى الذي هو الحد الأدنى من الإسلام المنجي.
وأيضاً: ليس في نصوص أهل العلم التي ساقها في كتابه -وما أكثرها- ما يؤيد استعمال مثل هذا التعبير، فقد أسرف الباحث في استخدام هذا التعبير، وأشاعه في ثنايا كتابه دون أن يؤيد استخدامه لهذا التعبير بنقل واحد عن إمام من أئمة العلم، رغم أن كتابه مكتظ بمئات النقول، وربما ساق النقول الكثيرة لتقرير بعض الأمور البديهية التي لا يحتاج تقريرها إلى عناء شديد.