[مناقشة كلام الكاتب فيما يتعلق بقضية الولاء والبراء]
نعرض لمناقشة هذا الكلام الذي ذكره الكاتب فيما يتعلق بقضية الولاء، ابتداءً لا ينكر أحد أبداً خطورة وأهمية قضية الولاء والبراء، وأنها من أجلَّ القضايا التي ينبغي على كل مسلم أن يصحح فهمه فيها، وأن يخلصها مما غشيها من الخلل؛ بسبب حقد كثير من المعاصرين من أبناء هذه الأمة، أيضاً في زحمة هذه المدارسة ينبغي ألا ننسى أن بقاء الوجود الإسلامي لهذه الأمة مرهون بوضوح هذه القضية، يعني: إذا كانت قضية الولاء والبراء لم تتخذ الموضع اللائق بها في حس وعقيدة المسلمين وفي واقعهم ومواقفهم، فهذا قد يهدد وجود الأمة الإسلامية تماماً، فلابد أن هذه القضية تبقى حية متأججة في النفوس؛ فإن انقطع هذا الأمر فهذا رهن بقتلها وتقديم البدائل الرخيصة الهزيلة.
لا يغيب عنا أيضاً أن انقطاع الولاء الإسلامي، واجتماع الأمة على المصالح والعصبيات والقوميات كان هو المسئول الأول عن تغييرها وإذابة قيمها ومحو شخصيتها، والإلقاء بها في مهاوي الفتنة والدمار، ولا يخفى أيضاً ما تحاوله قوى الكفر ومن شايعها من فصل هذا الدين عن أمته وتاريخه، وقتل الانتماء إلى الإسلام والاعتزاز به في داخله، حتى يصبح مطية ذلولاً يعبثون به وبمصائره كما يشاءون، فإذا فقدنا مصدر قوتنا وعزتنا وهو الانتماء لهذا الدين والاعتزاز بهذا الدين وبأبطال هذا الدين، فهذه أحد أهداف أعداء الإسلام، وهذا أمر لو أفضنا في مظاهره لطال بنا الحديث جداً، يكفي أن الأطفال في المدارس الابتدائية يحفظون الافتخار بالفراعنة الوثنيين المشركين، ففي بعض الامتحانات التي يمتحن بها الأطفال الضحايا المساكين يأتيهم في التدريبات أو الامتحانات: لماذا تفخر بـ مينا؟ لماذا تنظر بإعجاب إلى رمسيس الثالث؟ فيبرزون هؤلاء الوثنيين المشركين عبدة الملوك في صورة الأبطال المحبوبين، ويجعلون المثل الأعلى للمسلمين الكفار، يقول عز وجل: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:٤٥]، فهذا هو موقفهم مع الإسلام، قطع العلائق والروابط لما يكسبنا الاعتزاز بهذا الدين.
هذه القضية إن كانت قضية دعوى أو توضيح للمفاهيم، فمقام الدعوة غير مقام التأصيل والتقعيد، فعندما يكون الإنسان في معرض دعوة الناس بالترغيب والترهيب، قد يتسامح في أشياء لا يسامح فيها إذا كان في موضع تقعيد وتأصيل.
أقرب مثال إلى أذهاننا حينما نذكر هذا الفرق بين المفكر الذي يفكر وبين الشخص الأصولي المنضبط في عبارته، والذي يضع الأصول والضوابط والتقنينات، أقرب مثال هو ما حصل من الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى في الظلال وفي المعالم وهو يعبر عن معان سامية من معاني هذا الدين ومن معاني التوحيد ومعاني الإيمان، لكن هذه القضية بالذات كان لها عند الأستاذ سيد قطب رحمه الله موقف خاص، ولا نريد أن نندفع وراء العواطف والإعجاب بجهاد الرجل في سبيل الله وبذله نفسه في سبيل الله، هذا شيء ومحاكمة الكلام بالقواعد العلمية شيء آخر، فالفرق بين هذا المنهج الذي سلكه في الظلال والمعالم وبين المنهج الذي نراه عند صاحب كتاب حد الإسلام: أن صاحب كتاب حد الإسلام يحاول أن يأخذ منطق وضع القوالب الأصولية تأصيل الكلام وتقعيده في قواعد وحدود ورسوم، بحيث يتخذ دستوراً وضابطاً لمثل هذه القضايا الحساسة، فهو دخل في إطارات أصولية، وقعد هذه الأشياء فحصل مثل هذه المآخذ التي نذكرها.
أيضاً حينما يكون المقام مقام التقعيد والتأصيل ووضع الضوابط لا يعني ذلك أننا حينما ندافع عمن عندهم خلل في قضية الولاء والبراء حينما تدفع عنهم وصمة الكفر لا يعني ذلك أنك تواليهم، أو أنك تقرهم على ما هم عليه من الخلل والباطل، هم آثمون ومقصرون، لكن ربما في كثير من هذه الأحوال لا يصل الأمر إلى حد الكفر.
مثال: حينما يتكلم العلماء في قضية حكم قاتل المؤمن متعمداً تجد كلاماً شديداً جداً في هذه القضية، وذكر الأحاديث التي تصف مثل هذا الفعل بأنه كفر: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، ذكر بعض العلماء أننا نترك الأحاديث على ظاهرها ولا نفسرها أمام عوام الناس، هذا المقصود منه التخويف والترغيب من قتل المؤمن بغير حق، فلا تقل له: أنت لا تخرج من الكفر وأنك تبقى في الإسلام، مثل هذا في مقام الدعوة والتبليغ لا ينبغي؛ لأن المقصود التبليغ؛ لذلك لما دخل الإمام أحمد رحمه الله تعالى أحد المساجد وجد قاصاً كان يخوض في التحذير من معصية معينة بطريقة فيها شيء من المبالغة كما هو معروف عن القصاصين، فالإمام أحمد لو كان يظن أنه علم لأخذ يناظره ويبطل حجته لكن هو رآه رجلاً من القصاصين، الوعاظ القصاصين وفي نفس الوقت له تأثير جيد على الناس بحيث أنه ينفرهم من بعض هذه المحرمات، أو ينكر على بعض البدع، فقال الإمام: ما أنفعهم للعامة.
الإمام أحمد رجل من علماء الحديث وجهابذته يغار على السنة وعلماء، الحديث لهم حساسية خاصة أمام القصاصين، فهذا القاص أتى بهذه الأشياء التي هي غير ثابتة من حيث الأثر لكن في مجملها تنفر من بدع معينة، فقال: ما أنفعهم للعامة، وتركه وانصرف.
كذلك عندما تتكلم على ترك الصلاة لا تقل لقاطع الصلاة: من ترك الصلاة فقد كفر وهذا الكفر كفر كذا، وأنت مسلم لكنك عاصٍ وكذا مثل هذا الكلام، لكن إذا سئلت لا تكتم العلم الذي تعلمته، لكن في باب التنفير تطلق ذكر عموم النصوص.
فتأتي ذكر المرأة النامصة وتقول: لعن الله النامصة والمتنمصة، ولا تقل لها: اطمئني أنت موحدة وأنت مسلمة، أنت تقولين: لا إله إلا الله، وربما يكون لك أعمال صالحة أخرى تكفر عنك هذه المعصية وربما كذا وربما كذا، كلا، فلا إفراط ولا تفريط، وفي نفس الوقت لا تقل لها: أنت ملعونة، أو أنت قد وقعت عليك لعنة الله؛ لأنَّكَ بالفعل لا تدري هل تقع عليها اللعنة أم لا، لكن تقول لها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعن الله النامصة والمتنمصة) فمقام الدعوة ومقام الإرشاد قد يتسامح فيه غير مقام التقعيد والجلوس، أمام مجالس أهل العلم أو المدارسة بين طلبة العلم، هذه تحتاج لضبط ودقة واحتياط، فهذا نقوله بين يدي الكلام في هذه القضية لسنا في مقام الدفاع عن الخلل الموجود في كثير من المسلمين في قضية الولاء والبراء؛ لأن مرض البعد عن الإسلام والتقصير في جنب الله قد شاع في مجتمعاتنا.
أيضاً نحتاج لنبرز ما يعذر به العامة؛ لأن مقامنا هنا ليس مقام الكلام مع العامة، فلا تأت للعامي الذي يفعل أفعال الشرك وتقول له: اطمئن هذا شرك أصغر وأنت كذا وتسوغ باطله وتعتذر عنه، لكن هذا هو البحث العلمي المجرد الذي يقضي بيان الحق في مقامه، ووضع الأمر في نصابه.
أما ما ذكره الكاتب في باب الولاية فهو أولاً قصد حقيقة ولاية الكافرين على النصرة والتجسس، والدل على العورات، هذه هي ولاية الكافرين.