هذا في الحقيقة هو من موارد الاجتهاد والنزاع بين العلماء، وذلك عندما يعين بعض الناس شخصاً باسمه ويقولون: فلان معذور أم غير معذور؟ وفي هذه القضية بعينها أقامت عليه الحجة أم لم تقم؟ فإذا ثبت أصل العذر بالجهل فالمنازعة قد تقع في قضية بعينها، أو بالنسبة لشخص بعينه، فهذا مما تتفاوت فيه التقديرات، وهو من موارد الاجتهاد -أيضاً- بلا نزاع، حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أشار إلى هذا في بعض كتبه فقال: إن الشخص إذا دفع الحكم بالكفر عن شخص معين يعتقد إسلامه ويحسن الظن به -أي: ويكون قد أخطأ بالفعل في هذه القضية- فإنه لا يكون آثماً في ذلك، بل هو مثاب لحسن ظنه في أخيه المؤمن، بل استدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:(إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد) وخطؤه معفو عنه.
فإذاً: هذا يؤكد أنه إذا كانت هناك شبهة الكفر فالأولى أن تدفع شبهة الكفر عن آحاد المسلمين من أن تدرأ الحدود عنهم بالشبهات؛ لأن عواقب حكم الكفر أخطر من إقامة الحد خطأً، إذ قد ندبنا إلى الاحتياط في إقامة الحدود، كما قال عليه الصلاة والسلام:(ادرءوا الحدود بالشبهات، فلأن يخطئ الولي في العفو خير من أن يخطئ في القصاص) فأدنى شبهة تبطل الحد فلا يقام، فينبغي للإنسان أن يتورع ولا ينظر إلى قضية الجرأة على التكفير على أنها نوع من البطولة والشجاعة والاعتزاز بالدين.
وفي الحقيقة أنه ينبغي أن تخاف على نفسك أكثر مما تخاف على هذا الشخص الذي يكون محل النزاع، فالمسألة ليست في أنك راض بكفره، بل لابد من أن تصف الكفر بأنه كفر، أما قضية الإجراءات فإنها توكل إلى أهل العلم، والأحوط أن تكل الأمر إلى أهل العلم في الجزم عند التعيين وتخاف على نفسك؛ لأنك إذا أخطأت في الحكم بالكفر فإنه تحور عليك وترتد إليك هذه الكلمة.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: إن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان، وفي بقعة وناحية دون أخرى، كما أنها تقوم على شخص دون آخر، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه، فالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له، فهذا بمنزلة الأصم الذي لا يسمع شيئاً ولا يتمكن من الفهم، وهو أحد الأربعة الذين يدلون على الله بالحجة يوم القيامة، كما جاء في الحديث.