أما القسم الأول فهو من بلغته الدعوة ووحد ولم يشرك، كـ قس بن ساعدة الإيادي أحد حكماء العرب، ومن كبار خطبائهم، وكان قس يسكن نجران، ويقال: إنه أول عربي خطب على سيف أو عصا.
وهو أول من قال في كلامه: أما بعد.
أدركه النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وسئل عنه بعد البعثة فقال:(يحشر أمة وحده)، توفي سنة ثلاث وعشرين قبل الهجرة، أي أنه لم يدرك بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا قرأنا كلام قس بن ساعدة الإيادي كما حكاه ابن كثير في البداية والنهاية في الجزء الثاني نجد توحيداً كثيراً جداً في كلامه، وله خطبة مشهورة، من كلماتها (أقسم قس قسماً لا ريب فيه أن لله ديناً هو أرضى له من دينكم)، فكان يخطب في المشركين ويقول لهم هكذا.
ومن هؤلاء الذين هم من أهل الفترة الذين بلغتهم الدعوة ووحدوا ولم يشركوا زيد بن عمرو بن نفيل، وهو أحد حكماء العرب، كان يكره عبادة الأوثان، رحل إلى الشام باحثاً عن دين، ثم عاد إلى مكة ليعبد الله على دين إبراهيم عليه السلام، كان عدواً لدوداً لوأد البنات، وهو والد سعيد بن زيد الصحابي الجليل رضي الله عنه، وكان زيد بن عمرو بن نفيل يقول: اللهم! إني لو أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك، ولكني لا أعلم.
ثم يسجد على راحلته، أي: لو أعرف كيف أعبدك والطريقة التي يمكن أن أعبدك بها وهي محبوبة إليك -بل هي أحب الوجوه إليك- لفعلتها.
لكنه كان لا يعرف، لذا فإن العبادات إنما تعرف عن طريق الوحي، ثم إن الشيء الذي كان يستطيع أن يفعله هو أن يسجد على راحلته لله تبارك وتعالى، وكان يقول أيضاً: أرباً واحداً أم ألف رب أدين إذا تقسمت الأمور وقد أدركه النبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، وكان يتحنث في غار حراء، وكان لا يأكل مما ذبح على النصب، فذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد البعثة فقال:(غفر الله له ورحمه، فإنه مات على دين إبراهيم)، فهذا النوع ليس محلاً للنزاع؛ لأن النصوص الواردة تدل على أن هناك من ماتوا على التوحيد.