[وجهة نظر كاتب (حد الإسلام) في الولاية]
ننتقل إلى المسألة الأخرى وهي ما عبر عنه الكاتب بنفي الولاية عن غير الله عز وجل، حيث تتلخص خطبته في هذا الباب باعتباره الولاية ركناً من أركان توحيد العبادة، أو ركناً من أركان ما أسماه هو حد الإسلام، فهذا الأمر قرره في مواضع كثيرة من كتابه، وأفرد لدراسته باباً مستقلاً له، فيقول ما نصه: ثم نأتي بعد ذلك إلى الجزء الثاني من الكلام عن توحيد العبادة لتقرير أركان هذا التوحيد وهي: أ- نفي النسك عن غير الله عز وجل.
ب- قبول شرع الله ونفي ما سواه.
ج- إفراد الله بالولاية.
أيضاً ذكر أن معنى الولاية: أن تتولى الله سبحانه وتعالى وتوالي فيه عز وجل.
أيضاً حدد المناط المحذور المكفر في باب الولاية بأحد أمرين: تولي الكافرين، أو تولي المرء غيره بغير ولاية الإسلام، فاعتبر كلاً منهما كفراً صريحاً.
يقول: والمحذور على المسلمين بالنسبة لأمر الجماعة فيهم أن يتولوا الكافرين، فولاية الكافرين كفر صريح بواح، وأن من يتولى غيره بغير ولاية الإسلام يكون قد اتخذ غير الله ولياً، قال: ومن اتخذ غير الله ولياً فهو مشرك، أيضاً حدد لموالاة الكافرين صورة واحدة وهي المظاهرة والمناصرة، والدل على عورات المسلمين.
هذا هو معنى ولاية الكافرين التي تعد مكفرة عنده، فهذه ليس لها تكييف عنده إلا أنها كفر أكبر.
يقول: على أن التبرؤ من موالاة الكافرين ليس على درجة واحدة بين المؤمنين، ولذلك ذكر الله عز وجل اتخاذ البطانة ولم يصفه بالكفر: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران:١١٨]، وذكر الموالاة ولم يصفها ولو مرة واحدة بغير الكفر، وحدد الموالاة بأنها المظاهرة والمناصرة، والدل على عورات المسلمين.
أيضاً: أكد أن موالاة الكافرين في ذاتها كفر صريح، بصرف النظر عن الاعتقاد الباطن، أو الباعث إلى هذه الموالاة، وعقد مقارنة بين قصة حاطب بن أبي بلتعة وبين قصة أصحاب مسجد الضرار، انتهى منها إلى أن فعل حاطب رضي الله عنه يخرج عن وصف موالاة الكافرين إلى التجسس أو خيانة السر فقط، ولا يتعلق بقضية الموالاة، وإنما هو خيانة للسر، أو عملية تجسس على المسلمين، والرد على هذا صريح جداً، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة:١] والآية صريحة في أن هذا من الموالاة.
أيضاً انتهى إلى أن الخلاف بين فعل حاطب وفعل أصحاب مسجد الضرار لا يرجع إلى الاعتقاد الباطن، ولكن إلى اختلاف عمل الظاهر الذي يتكون من الفعل المحسوس زائد القصد، وبه وحده يتعلق الحكم الشرعي، فجعل الفرق بين قصة حاطباً وقصة أصحاب مسجد الضرار: أن حاطب لم يقصد الإضرار بالمسلمين، وإنما قصد جلب منفعة معينة لذويه الذين هم مستضعفون في مكة مع بقاء الولاء، أما في حالة مسجد الضرار فقد كان هناك قصد الإضرار، بل إلى المحق واستئصال شأفة الدعوة الإسلامية، وذكر أن هذا الفرق بين الأمرين لم يعلم بالأخبار الغيبية وحدها، بل بدلالة الأفعال والأقول، قال عز وجل: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ} [التوبة:١٠٧]، فقال: هناك فرق بين القصد من الإضرار وبين القصد إلى عدم هذا القصد في الحالتين، أما فعل حاطب فلا علاقة له بقضية الولاء، فقال: إنه عبارة عن سقطة في لحظة ضعف افتقد فيها التوكل، فوقع في سوء التأويل، ولكن لم يذهب القصد إلى المظاهرة ولم ينو بذلك المظاهرة والمعاونة والتأليب على المسلمين، أو دلهم على عورات المسلمين ومقاتلتهم التي لا نجاة للمسلمين منهم بعدها، وقد تبين للرسول صلى الله عليه وسلم صدقه، وقال: (إنه قد صدق)، فهو لم يتركه مع وقوع فعل الموالاة منه وإنما تبين له صدقه فخرج فعله عن وصف موالاة الكافرين إلى مجرد التجسس أو خيانة سر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
آخر كلام للكاتب في هذه القضية، قال: إن ركن الموالاة شأنه شأن بقية أركان حدَّ الإسلام، لا عذر فيه بالجهل! بناءً على ما قرره الكاتب مراراً من أنه لا عذر بالجهل في حد الإسلام؛ لأن للإسلام حداً لا تثبت لأحد صفة الإسلام قبل استيفائه، ومن لم يستوفه كان كافراً، لا فرق في ذلك بين الجاهل والمعاند.
أيضاً أغفل الكاتب الإشارة في هذه القضية إلى العذر بالتأويل، فلم يذكره إلا عرضاً بكلمة عابرة عند كلامه في موقف حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه: أنه سقطة في لحظة ضعف افتقد فيها التوكل، ووقع في سوء التأويل.