يقول الإمام رحمه الله تعالى الإمام ابن خزيمة: باب ذكر أخبار رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة من جهة النقل جهل معناها فرقتان: فرقة المعتزلة والخوارج، احتجوا بها وادعوا أن مرتكب الكبيرة إذا مات قبل التوبة منها مخلد في النار محرم عليه الجنان.
الكلام بالنسبة للخوارج فيمن فعل الكبيرة ولم يتب منها، هم يقولون: إذا فعل المعاصي فقد كفر وارتد وعاد إلى الإسلام بالتوبة، فبالتالي لا يختلفون في أن من تاب فهو ناج بغض النظر عن تكييف هذه التوبة، أما أهل السنة والجماعة فيعتقدون: أن من تاب إلى الله توبة صحيحة تاب الله عليه، حتى ولو من أكبر الذنوب وهو الشرك بالله تبارك وتعالى، فباب التوبة مفتوح له ولا يغلق أبداً حتى تطلع الشمس من المغرب، أو قبل الغرغرة في حق عمر الإنسان، فليست القضية معهم في شأن الذي تاب؛ لأن الذي تاب توبته مقبولة، وهو ناج إن شاء الله؛ ما دامت التوبة صحيحة مستوفية لشروطها، لكن أهل السنة يعتقدون أن إيمانه ينقص بهذه المعصية، والخوارج يعتقدون أن إيمانه يحبط تماماً، وأنه إذا تاب يعود إلى الإسلام من جديد، حتى وصل الأمر أنهم كفروا الأنبياء، بعض الخوارج الجدد يعتقدون بتكفير بعض الأنبياء، فلما كنا نستدل عليهم في بعض المناقشات ببعض النصوص ونعتقد أنها سوف تفحمهم، ونقول لهم قال آدم عليه السلام:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا}[الأعراف:٢٣]، وقال يونس عليه السلام: (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:٨٧] قالوا: إن يونس كفر ثم عاد إلى الإسلام بالتوبة والعياذ بالله، فتجرءوا حتى على مقامات الأنبياء، بل حتى على خاتم الأنبياء وسيدهم عليه الصلاة والسلام، فالعياذ بالله من هؤلاء الهالكين الجهال الضالين، وذلك تبعاً لانحرافهم في تفسير قوله تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ}[التحريم:١].
فالمقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحرمه، وإنما أخذ على نفسه أن يجتنب العسل؛ لما يصدر عنه من رائحة اشتكت منها بعض أزواجه.
هذه قضية أخرى، ولم يكن تحريماً لما أحل الله.
على أي الأحوال وصل بهم الجهل إلى هذا الحد من العدوان والظلم والبهتان، فادعى الخوارج والمعتزلة أن مرتكب الكبيرة إذا مات قبل التوبة منها فهو مخلد في النار محرم عليه الجنان.
أما المرجئة فقد كفرت بهذه الأخبار وأنكرتها ودفعتها، جهلاً منها بمعانيها.