[كلام العلماء في قضية تحكيم القوانين الوضعية والأعراف الجاهلية]
تكلم العلماء في قضية تحكيم القوانين الوضعية؛ فنجتزئ من كلامهم بعض النصوص.
يقول شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية: ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهذا كافر، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر، فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله سبحانه وتعالى؛ كسوالف البادية، وكانوا الأمراء المطاعين، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر؛ فإن كثيراً من الناس أسلموا ولكن لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم التي يأمر بها المطاعون، فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار.
وقال: ليس لأحد أن يحكم بين أحد من خلق الله، لا بين المسلمين ولا الكفار ولا الفتيان ولا رماة البندق ولا الجيش ولا الفقراء ولا غير ذلك إلا بحكم الله ورسوله، ومن ابتغى غير ذلك تناوله قوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:٥٠]، وقوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥].
ويقول ابن القيم رحمه الله كلاماً قريباً من كلام شيخ الإسلام فلا نطيل به.
ومعروف كلام ابن كثير رحمه الله في نفس هذه القضية، نذكر بعضه.
يقول بعد أن ذكر رحمه الله نتفاً من الياسق التي يحكم بها التتار، قال: وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه؟! من فعل ذلك فقد كفر بإجماع المسلمين.
ويقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى: إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداراة ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام كائناً من كان في العمل بها، أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امرؤ لنفسه، فكل امرئ حسيب نفسه.
وقال رحمه الله تعالى: سيقول عني عبيد هذا الياسق العصري وناصروه: إني جاهل، وإني رجعي، وما إلى ذلك من الأقاويل، ألا فليقولوا ما شاءوا، فما عبئت يوماً بما يقال عني، ولكني قلت ما يجب أن أقول.
ويقول أيضاً الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: أفيجوز لأحد من المسلمين أن يعتنق هذا الدين الجديد، أعني التشريع الجديد؟ أو يجوز لأب أن يرسل أبناءه لتعلم هذا واعتناقه واعتقاده، والعمل به؛ عالماً كان الأب أو جاهلاً؟ أو يجوز لرجل مسلم أن يلي القضاء في ظل هذا الياسق العصري وأن يعمل به، ويعرض عن شريعته ألبتة؟ ما أظن مسلماً يعرف دينه ويؤمن به جملة وتفصيلاً، ويؤمن بأن هذا القرآن أنزله الله على رسوله كتاباً محكماً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبأن طاعته وطاعة الرسول الذي جاء به واجبة، قطعية الوجوب في كل حال، ما أظنه يستطيع إلا أن يجزم غير متردد ولا متأول بأن ولاية القضاء في هذه الحال باطلة بطلاناً أصلياً لا يلحقه التصحيح ولا الإجازة.
وذكر مقالات لكثير من العلماء كلها تدور حول هذه المعاني في هذه القضية، فمن شاء فليرجع إلى الكتاب ففيه تفصيل أكثر بكثير عن تاريخ القوانين الوضعية إلى بلاد المسلمين، وبيان أن هذا ما تم إلا بالخيانة أيضاً، وما تم إلا بالإكراه كما حصل في كثير من القضايا الأخرى على يد من أرادوا أن يسلخوا المسلمين من دينهم وعقيدتهم.