ألا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله، فهو يعتقد ويؤمن بأن هذا الحكم من عند الله، لكن يعتقد أن حكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن من حكمه، وأتم وأشمل لما يحتاجه الناس من الحكم بينهم عند التنازع، إما مطلقاً وإما بالنسبة إلى ما استجد من الحوادث، فحكم غير الشرع أفضل من حكم الشرع وأحسن؛ نتيجة تطور الزمان وتغير الأحوال، وهذا أيضاً لا ريب في كفره؛ لتفضيله أحكام المخلوقين التي هي محض زبالة الأذهان، وصرف حثالة الأفكار على حكم الحكيم الحميد.
وحكم الله ورسوله لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان وتطور الأحوال وتجدد الحوادث، فإنه ما من قضية كائنة ما كانت إلا وحكمها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم نصاً أو ظاهراً أو استنباطاً أو غير ذلك، علم ذلك من علمه وجهله من جهله، وليس معنى ما ذكره العلماء من تغير الفتوى بتغير الأحوال ما ظنه من قل نصيبهم أو عدم من معرفة مدارك الأحكام وعللها، يعني: تغير الأحكام بتغير الأزمان، هذه القاعدة ليست على إطلاقها، هذه الأحكام التي تتغير بتغير الأزمان هي الأحكام التي تكون أسست على العرف، والعرف متغير ومتبدل، فما كان من الأحكام راجع إلى العرف فإنه يتغير بتغير الأزمان والبيئات، أما الأحكام الشرعية المؤسسة على الأدلة، فهذه لا يمكن تغييرها بحال من الأحوال.