[رؤية محمد سليم للعزلة في منهج سيد قطب]
كان من المعلقين في الندوة الدكتور محمد سليم العوا، وقد أطال النقاش في قضية إمكانية تكوين جيل كجيل الصحابة رضي الله عنهم، ولن نطيل بذكر هذه القضية.
وكذلك ناقش عبارة (ما إن نفضنا أيدينا من دفن الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا)، وحديث حنظلة: (ساعة وساعة).
يقول: هذه العبودية كما أشار إليها الأستاذ سيد قطب رحمه الله قاعدة من قواعد المجتمع الإسلامي، وهي مفقودة في المجتمعات الإسلامية الحالية، ولهذا وجب أن عصمة المؤمن تنشئ لذاتها عزلة شعورية وحقيقية عن المجتمعات التي تعيش فيها، عزلة شعورية تنشأ عنها عزلة كاملة في علاقته بالمجتمع الجاهلي من حوله وروابطه الاجتماعية، فهو قد انفصل نهائياً عن بيئته الجاهلية حتى لو كان يأخذ ويعطي مع بعض المشركين، فالعزلة الشعورية شيء والتعامل اليومي شيء آخر.
يقول: ومسألة العزلة هذه قد نشأت عنها تطورات فكرية كثيرة بالغة الخطورة أدت إلى ما نعرفه اليوم في ظاهرة الصحوة الإسلامية بالتطرف، وإلى ما عرفه الناس بجماعة التكفير والهجرة، مع أنهم يطلقون على أنفسهم: (جماعة المسلمين) وكذلك جماعات أخرى كثيرة يحفل بها باطن الأرض الإسلامية تظهر حيناً وتختفي أحياناً.
يقول: ولقد كنت أتمنى من الأستاذ الدكتور جعفر أن يقف عند هذه المسألة، ويبين فيها قولاً يشفي بعض الصدور، ويريح بعض القلوب.
فهو يلوم الدكتور جعفر لأنه لم يفصل في قضية العزلة الشعورية وأثرها على واقع الدعوة الإسلامية.
ثم يذكر الدكتور جعفر بأن ما فهمه من أن عدم قيام المجتمع الإسلامي في نظر الأستاذ سيد قطب لا يعني ما يعنيه ظاهر كلامه من انقطاع الأمة المسلمة، فيقول: إن قول سيد قطب بافتقاد المجتمع الإسلامي وانقطاع الأمة اصطلاح خاص بـ سيد قطب، ولا مشاحة في الاصطلاح، ولا نعتبره مسئولاً عما قام به بعض الشباب من اعتقاد بأن عدم اتصاف المسلمين المعاصرين بشروط المجتمع المسلم يعني عدم اتصافهم بالإسلام ذاته.
يقول الدكتور محمد سليم: هذا فهم لبعض الشباب لا يقره الدكتور جعفر باعتبار أنه لا يستلزم كلام سيد قطب، ولا يلزم منه، ولا ينبني عليه.
ولكن قراءته للمعالم تفيد غير الذي أفاده هذا البحث، فالأستاذ سيد قطب في المعالم رحمه الله يقول: ينبغي أن يكون مفهوماً لأصحاب الدعوة الإسلامية أنهم حين يدعون الناس لإعادة إنشاء هذا الدين يجب أن يدعوهم أولاً إلى اعتناق العقيدة حتى ولو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين، وتشهد لهم بذلك شهادات الميلاد.
فهو بهذا الكلام يأخذ على الدكتور جعفر أنه قال: إن هذه مسألة اصطلاحات، وسيد قطب لم يقصد هذا الكلام على حقيقته، وإنما أتى من بعده من أساء فهم كلامه، يعني: فهم الذين أحدثوا هذه النتوأت الفكرية لسوء فهمهم، وهو هنا يقول: لا، ليست هذه مجرد اصطلاحات.
لكن هذا الكلام واضح ومباشر في عبارة يذكرها هنا عن الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى، وهي قوله: ينبغي أن يكون مفهوم أصحاب الدعوة الإسلامية أنهم حين يدعون الناس لإعادة إنشاء هذا الدين الخ، والحقيقة أن هذه الكلمة يقشعر لها البدن، أعني إعادة إنشاء هذا الدين، بل نقول: لتحديد شباب الدين، ولتجديد الدين، وليست إعادة إنشاء هذا الدين.
يقول: فيجب أن يدعوهم أولاً إلى اعتناق العقيدة حتى ولو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين، وتشهد لهم بذلك شهادات الميلاد، يجب أن يعلموهم أن الإسلام هو أولاً إقرار عقيدة لا إله إلا الله بمضمونها الحقيقي، وهو رد الحاكمية لله بالأمر كله.
يقول هذا في المعالم.
ويقول فيه كذلك: ولتكن هذه القضية هي أساس دعوة الناس إلى الإسلام، فإذا دخل في هذا الدين -في مفهومه الأصيل- عصبة من الناس، فهذه العصبة يطلق عليها اسم المجتمع المسلم، وحين يقوم هذا المجتمع بالفعل يبدأ عرض أسس النظام الإسلامي عليه، كما يأخذ هذا المجتمع نفسه في سن التشريعات التي تقتضيها آياته الواقعية في إطار الأسس العامة للنظام الإسلامي.
وهذا المنهج يعتبره سيد قطب رحمه الله هو المنهج الوحيد في العودة إلى حياة إسلامية، بل يسميه في غير موضع من كتابه المنهج الرباني في مقابلة المناهج البشرية، أو الطاغوتية التي يرفضها ولا يقبلها، وهذا -أيضاً- من مواضع المآخذ التي ذكرها الباحث على هذه القضية.