إن هناك أعمالاً صدرت ممن تبوءوا مكاناً عظيماً في قلوب المسلمين المخلصين لدينهم في هذه الأعصار الأخيرة، كالإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، والأستاذ سيد قطب رحمه الله، ومنهم أيضاً الشيخ أبو الأعلى المودودي رحمهم الله أجمعين.
وثلاثتهم ممن كان له دور بصورة أو بأخرى في تجديد شباب هذه الدعوة، ودعوة الناس إلى تحقيق قوله تبارك وتعالى:{خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ}[البقرة:٦٣].
لكن ثلاثتهم أيضاً ربما اجتمعوا في قاسم مشترك ترتب عليه: إما تأويل البعض لكلامهم بصورة غير صحيحة، أو تطبيقه بصورة غير صحيحة، أو ربما يكون فعلاً صدر من أئمة الدعوة بعض المواقف بصفتهم البشرية قد يكون فيها أخذ ورد من وجهة نظر كثير من العلماء.
فأئمة الدعوة كتبوا كثيراً في قضايا التوحيد والدعوة، وربما أحياناً زلوا، حتى إمام الدعوة مجدد القرن الثاني عشر الهجري الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وله رسائل كثيرة في التوحيد ولكنها كانت مجملة ومقتضبة، وربما أدى هذا الإجمال إلى أن أساء البعض فهمها، أو أساء تطبيقها فيما بعد، فبالتالي اتخذ منها بعض دعاة التكفير معيناً لهم على بعض أفكارهم المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة.
نفس الشيء بالنسبة للأستاذ المودودي رحمه الله تعالى، وربما يكون في كلام المودودي عبارات صريحة تؤخذ عليه رحمه الله في قضية تكفير المسلمين، وإن كان من خلال الواقع العملي ربما ينكشف شيء من التصحيح لهذه العبارات النظرية، كذلك أخذ الأستاذ سيد قطب رحمه الله من المودودي بعض هذه المفاهيم، ودندن حولها في كتبه، وبالذات الظلال ومعالم في الطريق، ولا شك أن الأستاذ سيد قطب رحمه الله باعتباره أكثر الناس تأثيراً وأثراً في قلوب الشباب الإسلامي، ومد هذه الصحوة الإسلامية بكثير من المدد والوقود والوعي، لاشك أن شأنه شأن كثير من العظماء، بل كل العظماء أن يختلف الناس عليهم ما بين قادح ومادح، وهو واحد من هؤلاء العظماء، بل هو نادرة زمانه وعصره الذي تبوأ قمة لم يقو الكثير على الصعود إليها، ونرجو أن يكون الله تبارك وتعالى قد بوأه هذا المنصب العظيم الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله:(سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله).
وكان بإمكان سيد قطب رحمه الله أن يداهن أو يتنازل عن عقيدته ومبدئه، ولعله يصل إلى أرقى المناصب التي كان يغرى بها، ولكنه ثبت أمام هذه المغريات.